اتفق العلماء على تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح إذا لم يكن هناك ضرورة لإسقاطه، ولكن اختلفوا في إسقاط الجنين إذا لم يتم له مائة وعشرون يوماً، فأجاز ذلك بعض الفقهاء عند الضرورة والحاجة، ومنعه آخرون إذا تجاوز الأربعين يوماً منذ بداية الحمل، وبعضهم حرم الإسقاط في جميع الأطوار، والراجح أنه إذا احتيج إلى إسقاطه لسبب صحيح جاز إسقاطه قبل تمام المائة وعشرين يوماً .

يمر الجنين في بطن أمه بأربعة أطوار:

1- النطفة

2- العلقة

3- المضغة

4- نفخ الروح.

وقد اتفق العلماء على تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح إذا لم يكن هناك ضرورة لإسقاطه؛ لأن إسقاطه من غير ضرورة قتل للنفس المحترمة، ونفخ الروح بعد مائة وعشرين يوماً.

وأما قبل نفخ الروح فقد اختلف في حكم الإسقاط من غير ضرورة على الأقوال الآتية :

القول الأول:تحريم الإسقاط في جميع الأطوار ، وهو قول أكثر المالكية، وبعض الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقول الظاهرية .

القول الثاني:جواز الإسقاط في النطفة والتحريم في بقية الأطوار، وهذا قول بعض المالكية والمذهب عند الحنابلة .

القول الثالث: جواز الإسقاط قبل نفخ الروح، وهو قول الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة .

أدلة هذه الأقول :

استدل أصحاب القول الأول بحديث أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة . رواه البخاري (6909)، ومسلم(1681)، والجنين اسم لما في البطن، وإيجاب الغرة فيه دليل على أنه محترم يأثم المتعدي عليه، وإذا كان يأثم بالتعدي عليه فإنه لا يجوز إسقاطه ، وبأن هذه النطفة مبدأ الحياة، وإذا كان لا يجوز إتلاف الحي فكذلك السقط الذي هو مبدأ الحياة.

وبأن الإسقاط يشبه الوأد لاشتراكهما في القتل، إذ الإسقاط قتل ما تهيأ ليكون إنساناً، والوأد محرم بالإجماع فكذلك الإسقاط .

ويشكل على الحديث أنه واقعة عين محتملة .

واستدل أصحاب القول الثاني بحديث ابن مسعود ” إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغـيّر، فإذا مضت الأربعون صارت علقة، ثم مضغة كذلك …” الحديث رواه أحمد (3553).

ووجه الاستدلال بالحديث: أن فيه إشارة إلى أن النطفة تبقى على حالها ولا تنعقد، وما لا ينعقد فيجوز إسقاطه.

ويُردّ عليه من وجهين :

1.أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف.

2.لو ثبت فلا دليل على التفريق بين ما انعقد وما لم ينعقد.

واستدلوا بأن النطفة لم تنعقد بعد وقد لا تنعقد، ولذا فإنها ليست بشيء ولا يتعلق بها حكم طالما أنها لم تجتمع في الرحم، وكما أن له العزل ابتداء فله الإسقاط كذلك.

ويرد عليه بأنه لا دلالة على عدم الانعقاد حتى يجعل مناطاً للتفريق، بل يرده حديث ابن مسعود الصحيح ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً” رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643)، فإن هذا يقتضي أن الله قد جمع فيها خلقه جمعاً خفياً، وهذا التخليق يتزايد شيئاً فشيئاً إلى أن يظهر للحس ظهوراً لا خفاء به كله.

واستدل أصحاب القول الثالث القائل بالجواز قبل نفخ الروح بالآتي :

1. أن كل ما لم تحلّه الروح لا يبعث يوم القيامة، ومن لا يبعث فلا اعتبار لوجوده، ومن هو كذلك فلا حرمة في إسقاطه.

2. أن الجنين ما لم يتخلق فإنه ليس بآدمي، وإذا لم يكن كذلك فلا حرمة له ومن ثم فيجوز إسقاطه.

ويرد عليه : بأن هذا اعتداء على ما مصيره اكتمال الآدمية وحلول الروح فيه، وهذا الاعتداء بغير حق إيقاف له، والاعتداء بغير حق محرم، ثمّ إنه لا دليل على عدم التخليق .

وقد مال بعض الفقهاء الأطباء المعاصرين إلى القول الأول القائل بالتحريم لوجاهة أدلته وقوتها، يقول الدكتور حسان حتحوت:

“وكما استنبط السابقون أحكامهم مما بين أيديهم من معلومات طبية، فليس لنا أن نكتفي بالنقل عنهم، وبين أيدينا دقائق وتفصيلات علمية جديدة لم تكن في زمانهم، ولما كنت من أهل الاختصاص الطبي الدقيق في هذا الموضوع، فقد وجدت من الأمانة أن أضع أمام أشياخنا وفقهائنا حقيقةَ أن الجنين حي من بدء حمله، وأنه ينساب نامياً في تناغم واتصال، وأن قلبه ينبض في شرايينه منذ أسبوعه الخامس، وأن جنين الأشهر الثلاثة تام الخلقة وإن كان صغير الحجم، وأنه تكوّن وإنما يكبر وينضج بعد ذلك، وأن الجنين يتحرك ونرصد بأجهزتنا حركته ونسمع دقات قلبه قبل أن تحس أمه بحركاته بزمان طويل، وأعلم من الناحية الطبية أن قتل الجنين قتل نفس، وأصونه وأحافظ عليه إلا إن كان في استمرار الحمل تهديد لحياة أمه، وآنذاك فقط أهدر حياة لأنقذ حياة، ولكن ليس لما دون ذلك من أسباب “. وانظر في ذلك (الإسلام وتنظيم الأسرة)، و(تنظيم النسل وموقف الشريعة منه).

قال تعالى – :”ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون : 13].

فنلاحظ في الآية الكريمة ذكر مراحل التكوين الجنيني، وفي آخر مرحلة، وهي ما بعد المضغة والعظام قال: ثم أنشأناه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، وهذا مؤذن بأن الكلام لا يزال متعلقاً بالتخليق في الرحم، ولذلك ذهب جمهور المفسرين إلى هذا.

وقد قال الطبري في تفسيره (18/9) :” قال بعضهم : إنشاؤه إياه خلقاً آخر : نفخه الروح فيه، فيصير حينئذ إنساناً، وكان قبل ذلك صورة .

ثم روى بإسناده عن ابن عباس من طرق عكرمة، والشعبي، ومجاهد، وأبي العالية، والضحاك، وابن زيد أن ذلك نفخ الروح فيه.

ثم ذكر قولين آخرين .

ثم قال:” وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال : عنى بذلك نفخ الروح فيه، وذلك أنه بنفخ الروح فيه يتحول خلقاً آخر إنساناً، وكان قبل ذلك بالأحوال التي وصفه الله أنه كان فيها، من نطفة وعلقة ومضغة وعظم، وبنفخ الروح فيه يتحول عن تلك المعاني كلها إلى معنى الإنسانية، كما يحول أبوه آدم بنفخ الروح في الطين التي خلق منها إنساناً، وخلقاً آخر غير الطين الذي خلق منه ” انتهى.

ومن المعلوم أن جواز الإسقاط هنا يكون للضرورة، والحاجة والمصلحة الراجحة . لكن من حيث المبدأ فقد اختلف العلماء في إسقاط الجنين إذا لم يتم له مائة وعشرون يوماً، فأجاز ذلك الحنفية وابن عقيل من الحنابلة عند الحاجة محتجين بحديث ابن مسعود المشهور المتفق عليه (أربعين يوماً نطفة … إلخ) رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643)، ومنعه آخرون إذا تجاوز الأربعين يوماً منذ بداية الحمل وهو المشهور عند الحنابلة .

والراجح أنه إذا احتيج إلى إسقاطه لسبب صحيح جاز إسقاطه قبل تمام المائة وعشرين يوماً.