الأُسْرة تقوم على الزوج والزوجة والأولاد، وهي إذا أُحْسن توجيهها حقَّقت السكن والمودَّة والرحمة، لكن ليست كلُّ الأسر تستطيع الالتزام بتوجيهات الدين، ومن هنا يأتي القلق والبغض والقسوة، وتكون المساءلة الشديدة أمام الله سبحانه، ولذلك أوصى الإسلام ببناء الأسرة على أسس القيم الرفيعة الموجودة في الرجل والمرأة، فتختار المرأة ذات الدين والخلُق، ويختار الرجل ذو الدين والأمانة كما جاء في السنة النبوية.

وإذا وَجَبَ على الأسرة أن تتعاون لتحقيق أهدافها فكيف تكون العداوة أو من أين تأتي؟

إن الآية الكريمة في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التغابن (14) تُبيِّن أن بعض الأزواج ـ الزوجات ـ وبعض الأولاد قد يكونون أعداء للزوج والوالد، وليس الكل أعداء، وإلا ما كانت هناك حاجة إلى الزواج، ولذلك عبَّرت الآية بلفظ “مِنْ” التي تفيد التبعيض.

والعداوة تأتي من مخالفة الوصيَّة بحُسن المعاشرة، وعدم التزام أفراد الأسرة بالواجبات المفروضة عليها، والاهتمام بالحقوق أكثر من الواجبات، قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (سورة النساء:19)، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرَّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (سورة البقرة :228)، وقال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (سورة النساء :34)، وقال: (وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَانًا) (سورة الإسراء:23) إلى غير ذلك من النُّصوص التي تبين الحقوق والواجبات.

جاء في سبب نزول الآيةفي سورة التغابن أن بعض الرجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم، فلما أتَوُا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورأَوُا الناس قد تفقَّهوا في الدين همُّوا أن يُعاقبوا أزواجهم وأولادهم، رواه الترمذي بسند حسن صحيح فنزلت الآية؛ ولذلك جاء في آخر الآية: ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، والعفو هو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح هو إزالة أَثَرِهِ من النفس، يُقال: صفَح عنه: أعْرض عن ذنبه، وضرب عنْه صفْحًا أي: أعرض عنه وتركه، والغَفْرُ هو الستر.

وقيل: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، كان إذا أراد الغزو بكَت الزوجة والأولاد ورقَّقوه قائلين: إلى من تترُكنا؟ فَيَرِقُّ لهم. وفي حديث ضعيف: ” يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأولاده، يُعيِّرونه بالفقر فيَرْكب الصعب مِن أجلهم”.

ومن جهاد الزَّوج ما في البخاري أن الشيطان قعد لابن آدم ـ وسوس أو أغرى زوجته وأولاده ليقولوا له ـ في طريق الإيمان فقال: أتؤمن بالله وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالَفه فآمَن، فقَعَد له في طريق الهجرة، فقال: أتُهَاجر وتذر مالَكَ وأهْلك؟ فخالَفه فهاجَر، فقعد له في طريق الجهاد، فقال: أتجاهد فتَقتل نفسك وتُنكح زوجاتك ويُقسَّم مالك؟ فخالَفَه وجاهد، فحَقٌّ على الله أن يُدخله الجنة. وفي الحديث: ” الأولاد مَجْنَبَةٌ مَبْخَلَةٌ” أو “مُجَبِّنَةٌ مُبَخِّلَةٌ” رواه البغوي.

وأخرج الترمذي عن خَوْلة بنت حكيم قالت: خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم وهو مُحتضنٌ أحد ابني بنته وهو يقول: ” إنَّكم لتُبخِّلون وتُجبِّنون وتُجهِّلون، وإنكم لَمِنْ رَيْحَانِ الله” أي تَحملون على البخل علي غيركم إيثارًا لكم، وتَحملون على الجُبن والقعود عن الجهاد، وتحملون على الاعتداء على غيركم دفاعًا عنكم.
والموضوع مبسوط في كتاب ” تربية الأولاد في الإسلام”.