أجاز الشيخ محمد صالح بن العثيمين – عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية سابقا رحمه الله– الصلاة على الميت بعد دفنه في القبر، ودلل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعدما ماتت وكان الصحابة قد دفنوها من غير أن يخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بموتها.

وقال رحمه الله في محاضرة صوتية نشرها موقعه الرسمي على الإنترنت[1]:إن الصحيح هو الصلاة على القبر ولو بعد شهر، إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن واشترط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلا للصلاة، ومثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة، فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت، ومثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله عشرون سنة ليصلي عليه، فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.

وأضاف أنه لا يشرع لنا أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحدا من الناس قال إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو على قبور الصحابة ، لكن يقف ويدعو

أما الشيخ محمد صالح المنجد فقال :إن الإمام الشافعي وغيره ذهب إلى جواز الصلاة على الميت في قبره، ويدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة في قبرها، كانت تنظف المسجد، وكان الصحابة قد دفنوها من غير أن يخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بموتها كما ذكر ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلا، فَقَالَ : مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا : الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَفَلا آذَنْتُمُونِي؟! قَالُوا : دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ ) رواه البخاري.

وأضاف أن  يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: ( أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَى قَبْرًا جَدِيدًا، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذِهِ فُلانَةُ ، مَوْلاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَاتَتْ ظُهْرًا وَأَنْتَ نَائِمٌ قَائِلٌ (أي : في القيلولة) فَلَمْ نُحِبَّ أَنْ نُوقِظَكَ بِهَا ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا ، ثُمَّ قَالَ : لا يَمُوتُ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلا آذَنْتُمُونِي بِهِ؛ فَإِنَّ صَلاتِي لَهُ رَحْمَةٌ) رواه النسائي. كما روى ابن أبي شيبة في “المصنف” مجموعة من الآثار عن الصحابة والتابعين ممن صلوا على القبور بعد الدفن : منهم عائشة رضي الله عنها حين صلت على قبر أخيها عبد الرحمن، وابن عمر صلى على قبر أخيه عاصم، وسليمان بن ربيعة وابن سيرين وغيرهم، وكذلك ذكره ابن حزم في “المحلى” .

وأوضح ابن العثيمين -رحمه الله- أن بعض الفقهاء منع الصلاة على القبر مطلقا، وبعضهم قيده بشهر أو ثلاثة أيام، ولكن ليس هناك دليل على هذا التقييد حيث قال ابن حزم -رحمه الله-: “أما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل ، لأنه تحديد بلا دليل ” .

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قد أفتى بأنه يجوز الصلاة على الميت بعد دفنه لمدة شهر بينما قال الإمام النووي: إذا حضر من لم يصل عليه بعد دفنه، وأراد الصلاة عليه في القبر أوأراد الصلاة  عليه في بلد آخر جاز بلا خلاف.

وقال ابن قدامة:لا يصلى على القبر بعد شهر وبهذا قال بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: يصلى عليه أبداً، واختاره ابن عقيل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين، وقال بعضهم: يصلى عليه ما لم يبل جسده، وقال أبو حنيفة: يصلي عليه الولي إلى ثلاث.

وذهب الحنفية والمالكية إلى جواز الصلاة على الميت ما لم يتغير ويتفسخ،والمعتبر في معرفة التفسخ أهل الخبرة والمعرفة من غير تقدير بمدة، وذلك لاختلاف الحال، والزمان، والمكان، وذهب الشافعية إلى تقييدها بما إذا لم يبل الميت، وذهب الحنابلة إلى شهر واحد وتحرم الصلاة بعده، إلا زيادة يسيرة.

ومن جهته أكد الدكتور سعد بن عبد العزيز الشويرخ -عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أنه يجوز الصلاة على الميت بعد دفنه لمن لم يصل على الميت كمن يكون غائباً إذا قدم وأخبر بموت هذا الميت فيجوز له أن يصلي على القبر، لأنه ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى على ميت بعدما دفن، كما في البخاري ومسلم من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – وقد قيد أهل العلم مدّة الصلاة على القبر إلى شهر، لأن أقصى ما ورد هو الشهر، كما في سنن الترمذي من حديث سعيد بن المسيب أن أم سعد –رضي الله عنها- ماتت وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – غائباً فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر، فأقصى مدة يصلى على الميت فيها هو شهر، وما زاد على الشهر فإنه لا يصلى عليه، والميت لا يصلى عليه مرة ثانية إذا كان قد صُلِّي عليه.

[1]- وانظر الشرح الممتع (2/240)