الكوارث من جند الله تعالى يسلطها على من يشاء من عباده، وهي لأهل الإيمان ابتلاء وتمحيص، ولأهل الشقاق والعناد عذاب واستئصال، قال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59]

قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري:

والتخويف والوعيد بهذه الآيات إنما يكون عند المجاهرة والإعلان بالمعاصي ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين زلزلت المدينة في أيامه، قال: يا أهل المدينة ما أسرع ما أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم، فخشي أن تصيبه العقوبة معهم كما قيل لرسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث، ويبعث الله الصالحين على نياتهم. أهـ

وعلى المسلم أن يأخذ العظة والعبرة من هذه الكوارث، ولا سيما أنَّ كثرة الزلال علامة من علامات الساعة؛ روى البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ  قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيض”

وعلى المسلم أن يغتنم فيها مرضاة الله تعالى؛ لأنها فرصة لفتح باب التطوع واستباق الخيرات،  فعليه أن يعمل على تخفيف مصاب المصابين، ومواساتهم، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه”  فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ” رواه البخاري، فإن اللقمة التي تذهب الجوع يثاب عليها المسلم، وتكون لها وقاية من النار، وفي صحيح البخاري عن عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ.” وعند مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه: “لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا

وقد أباح العلماء التصدق على غير المسلم من صدقة التطوع، لقوله تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (الإنسان: 8-9) والأسير لا يكون مسلما، أما الزكاة فلا تدفع إلا للمسلمين.

وهناك نوازل تقترن بهذه الكوارث مثل موت الأسرة جميعا فلا يدرى من مات أولا ومن يرث من؟ وكيفية تغسيل وتكفين وصلاة الجنازة على هذا العدد الكبير في الكوارث إلى غير ذلك من النوازل التي عالجتها الشريعة، وهي تعد لبنة في صرح فقه النوازل.

والله تعالى أعلم.