الأصل في الكذب أنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ لكن وردت الرخصة فيه بغرض الإصلاح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الكذَّابُ الذي يصلِحُ بين الناسِ، فيَنْمِي خيراً، أو يقولُ خيراً»(1). كما قال الله سبحانه: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114] .

ولكن الإنسان هنا قد لا يحتاج إلى ما هو بمعنى الكذب، وإنما هو نوع من المعاريض أو التعميم أو إشاعة المعنى الجيد،كما أن بعض الناس أحياناً يضخِّم الأشياء الصغيرة، فتصبح قضية، وهي ليست قضية.

والإنسان الإيجابي يمكن أن يضخِّم بعض الأشياء الإيجابية، ويصبح لها أثرٌ طيب، كأن يقول: فلان يسلِّم عليك، لشخص يحسُّ بالهجر أو البعد مع شخص آخر، خصوصاً إذا كان قريبًا، مثل الإخوة، أو الآباء، أو الأزواج، أو الأصدقاء، وقول: يسلِّم عليك. أنت صادق فيه؛ لأنه دائماً يقول في صلاته:السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولو قالت: إن هذا الإنسان له رغبة في أن يعيد العلاقات معك أيضًا، فأنت صادق؛ لأنه في الغالب تأتيه حالات يرغب فيها أن يعيد العلاقة، وربما تقرأ هذا في عينيه، أو في تأوُّهاته، أو في كثرة ذكره للماضي.

فهنا يوجد مجال للمعاريض دون الحاجة إلى أن يكذب الإنسان كذبًا صراحًا، كما في الحديث لما سُئِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيكونُ المؤمنُ جبانًا؟ فقال: «نعم». فقيل له: أيكونُ المؤمنُ بخيلاً؟ فقال: «نعم». فقيل له: أيكونُ المؤمنُ كذَّابًا؟ فقال: «لا»(2).

دليل على حرمة الكذب وشناعته، خصوصًا أن الكذب هنا قد يتمادى بالإنسان، وفي الحديث الآخر: «وما يزالُ الرجلُ يكذِبُ، ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتَبَ عند اللهِ كذابًا»(3).

(1) أخرجه البخاري (2692)، ومسلم (2605) من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها.

(2) أخرجه مالك (1795)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (147)، وابن حزم في طوق الحمامة (ص54)، والبيهقي في شعب الإيمان (4812)، وابن أبي زمنين في أصول السنة (154) من حديث صفوان بن سليم مرسلاً.

(3) أخرجه البخاري (5743)، ومسلم (2607) واللفظ له من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.