اشتراك الوَلِيِّ في عقد الزواج جاء فيه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” لا نكاح إلا بوَلِيِّ وشاهِدَيْ عدْل ” رواه ابن حِبَّان في صحيحه، وروى أصحاب السنن قوله ” لا نكاح إلا بولِيِّ ” كما روَوْا حديث ” لا تُزوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّج المرأةُ نفسَها، فإن الزانية هي التي تُزَوِّج نفسها ” .

يُؤخذ من هذا أن الزواج يُشترط في صحته وجود وَلِيٍّ ذكرًا عن الزوجة، فلا يصح أن تُزوِّج نفسها كطرف في العقد، ولا أن تَنوب عنها امرأة أخرى، والتحذير من المخالفة جاء بوصف المرأة التي تفعل ذلك بأنها زانية، يُراد به التنفير؛ لأن التي تتوَلَّى تزويج نفسها بدون إذن أوليائها أو بدون نيابتهم عنها قد تتحكم فيها العاطفة، فتتغلَّب على عقلها، فكان لا بد من الولي لإيجاد التوازن الذي ينظر أيضًا إلى المصلحة العامة، وهذا في الحقيقة إدراك لخطر بناء الأسر، فهو عمل في الغاية القصوى من الأهمية؛ لأنه بناءُ خليةٍ يُبْنى منها المجتمعُ كلُّه.

وقد لخَّص الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم ” ج 9 ص 205 ” حكم النِّكاح الذي لا يتولاه الولي فقال: إن العلماء اختلفوا في اشتراط الولي في صحة النكاح، فقال مالك والشافعي: يشترط، ولا يصح نكاح إلا بولِي، وقال أبو حنيفة : لا يُشترط في الثَّيِّب ولا في البِكْر البالغة، بل لها أن تُزوِّج نفسها بغير إذن وَلِيِّها . وقال أبو ثور: يجوز أن تزوِّج نفسها بإذن وَلِيِّها، ولا يجوز بغير إذنه، وقال داود : يُشترط الولِيُّ في تزويج البِكْر دون الثَّيِّب .

وقد رأيت أن الجمهور يرى أهمية الولِي إما في مباشرة العقد وإما في الإذن، وهو الأوْلى بالاتباع، وبخاصة في الأوساط أو العصور المفتونة بالحرية واستقلال شخصية المرأة، واستغلال ذلك استغلالاً سيِّئًا أثبت الواقع فشله، بعد أن تُخمَد عاطفة الشباب ويصحو العقل ويُفَكِّر؛ ليُدْرِك أن الزواج ليس ارتباطًا بين شخصين بقدر ما هو ارتباط بين أسرتين، وهذه المعاني الكبيرة لا يُدْرُكَهَا إلا العاقلون من الرجال الذين يحرصون على منفعة بناتهم وأهليهم، فهم الملاذ عند الشكوى، والأمل عند طلب النصير .