وصل الشعر إن كان بشعر غير آدمي، بأن كان شعر حيوان طاهر فجائز، وإن كان غير شعر بل خيوطاً ونحوها فجائز من باب أولى، وهو قول جمهور الفقهاء أمَّا وصل الشعر بشعر آدمي فهو منهي عنه شرعا.

يقول فضيلة الدكتور جاسم النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:

هذا الموضوع مما يختلف فيه نظر الفقهاء، وما كان كذلك يحتاج إلى بيان النصوص المحاكمة له، وأقوال الفقهاء بناء على هذه النصوص. ليتم الترجيح والاختيار، من بين أقوالهم، أو من خارجها إذا أسعف الدليل.
معنى الوصل: هو أن يوصل شعر امرأة بشعر امرأة أخرى. فمن تقوم بعمل ذلك لغيرها تسمى الواصلة، والتي تطلب أن يعمل لها ذلك تسمى المستوصلة.
وقد وردت نصوص من الأحاديث الصحيحة تفيد حرمة الوصل من حيث العموم ومن ذلك:

– حديث عائشة رضي الله عنها: أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت، فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه ومسلم فقال: ” لعن الله الواصلة والمستوصلة” (البخاري)

-وعنها رضي الله عنها أيضاً: أن امرأة من الأنصار زوجت ابنة لها، فاشتكت تساقط شعرها، فأتت النبي صلى الله عليه سلم، فقالت: إن زوجها يريدها أفأصل شعرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الواصلات ” ((مسلم).

-وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:” زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئاً.

-عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أنكحت ابنتي، ثم أصابها شكوى فتمرق رأسها، وزوجها يستحثني بها، فأصل شعرها، ” فسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة” (البخاري). وفى رواية ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة و المستوصلة “.

-وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أيضاً قالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها، أفأصله؟ فقال ” لعن الله الواصلة والمستوصلة” (مسلم)

ويستفاد من هذه الأحاديث أن وصل الشعر بشعر لمن تطلبه ولمن تقوم بعمله لها حرام، لأن اللعن وهو الطرد من رحمة الله لا يكون إلا على فعل محرم وكبيرة من الكبائر.
وبناء على هذه النصوص فقد اتفق الفقهاء على حرمة الوصل إذا كان وصلاً لشعر امرأة بشعر امرأة أخرى. وليس المراد بشعر امرأة خصوص الحرمة فيه بل لو وصلته بشعر من شعر رجل زوجها أو محرمها أو غيرها فمحرم.

قال النووي:

لأنَّ نصَّ الأحاديث عام لا يخصه شعر المرأة، ولأنَّه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه.

لكن الفقهاء اختلفوا لو كان الوصل بشعر غير الآدمي، كان يتم وصله بوبر أو صوف أو خرق، ومثله لو وصل بشعر صناعي من أي مادة كما هو حال ما يسمى بالباروكة فذهب الحنفية : إلى أنَّ وصل الشعر بنحو صوف أو وبر أو خرق مباح، وعللوا ذلك بأنه لا تزوير فيه في هذه الحال.

وذهب المالكية إلى أن الوصل بذلك حرام مطلقاً؛ لأنَّ الأحاديث جاءت عامة في كل شعر، وحديث جابر السابق ظاهر في العموم، لكن إن كان الوصل بما ليس شعراً كخيوط ملونة أو غيرها من الزينة فمباح .
وذهب الشافعية إلى تفصيل الحكم: فقالوا: إن وصلت المرأة شعرها بشعر غير آدمي فإن كان نجساً كشعر ميتة أو شعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام، وعللوا ذلك بحرمة استعمال النجس في الصلاة أو خارجها.

وأما إن كان الشعر  طاهراً فهو حرام على البنت التي ليست بذات زوج.

وأما إن كانت متزوجة ففيه أقوال ثلاث:

الأول الجواز، وهو الصحيح في المذهب، ويشترط حينئذ أذن الزوج فيه.

والثاني: يحرم ولو أذن الزوج.

والثالث: الجواز مطلقاً أذن الزوج أو لم يأذن.
وذهب الحنابلة إلى أنَّ وصل الشعر بغير شعر الآدمي كشعر الماعز وغيرها حرام كالوصل بشعر الآدمي.
وإن كان الوصل بغير شعر فإن لحاجة كربط الشعر وضمه فلا بأس به. وإن كان لغير حاجة بل للتزين فروايتان:

الأولى يكره الوصل،

والثانية: يحرم، وللترجيح واختيار الحكم يلزم معرفة علة الحكم بالحرمة.

فالعلة التي من أجلها حرم الوصل هو التدليس والتزوير، وهذا ما نص عليه الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: والأدلة على هذه العلة وردت ظاهرة في الأحاديث السابقة، فقد ورد فيها اللعن لمن تريد أن تزوج ابنتها فتخفى عيبها.
كما ورد التعليل بالتزوير فيما رواه سعيد بن المسيب، قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبة من شعر: فقال: ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه: الزور. ((مسلم) ومثله أيضاً، وفيه إشارة إلى شيوع ذلك في زمن معاوية رضي الله عنه- ما رواه سعيد بن المسيب، أن معاوية قال ذات يوم: إنكم قد أحدثتم زي سوء.

وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور. قال: وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة. قال معاوية: ألا وهذا الزور.
قال قتادة: يعنى ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق. ((مسلم)

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع معاوية بن أبى سفيان عام حج، وهو على المنبر، تناول قصة من شعر- أي من شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، أو هو شعر الناصية- كانت في يد حرس- شرطي- يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه. ويقول” إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم”.

ومن خلال النصوص وأقوال الفقهاء وتعليل الحكم يظهر في تقديرنا رجحان قول الحنفية والشافعية من حيث الجملة فنختار: أن وصل الشعر إن كان بشعر غير آدمي، بأن كان شعر حيوان طاهر فجائز. وإن كان غير شعر بل خيوطاً ونحوها فجائز من باب أولى وهو قول جمهور الفقهاء.

وهذا الحكم إذا كان التزين به من المتزوجة لزوجها ولصديقاتها ومحارمها،و ذات الزوج تحتاج إلى إذن زوجها؛ لأن التزين في الأصل له أو علمت رضاه بالقرائن .

و على هذا نقول للأم أو البنت الراغبة في الزواج، لابد من علم من يتقدم للزواج بأن البنت ستظهر له بعد الزواج بشعر موصول تزين به نفسها؛ لأنها تعاني من مرض في شعرها أو فروة رأسها نفياً للغش والتدليس، ويمكنها أن تضع الباروكة قبل أو بعد الزواج إن كانت من شعر حيوان طاهر، ويعلم أنه ليس شعر آدمي، أو كانت من شعر صناعي أيا كانت مادته، ويشترط في هذه الحال أن يكون الشعر الصناعي ظاهرة فيه الصنعة يعرف ذلك بمجرد النظر لينتفي التدليس، وإذن الزوج في ذلك مطلوب على كل حال.

ومما يرجح اختيار الجواز إذا خلا من التزوير والتدليس والخداع أن التزين في أصله مرغوب،و مستحب قال تعالى:” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ” الأعراف: 32 وقال تعالى:” خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” الأعراف: 32 وقال تعالى أيضاً: ” وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ” غافر: 64.

وإذا كان التزين بين الزوجين فهو مرغوب بل مطلوب؛ لأنه من حسن العشرة، قال تعالى:” وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” البقرة: 228 فمطلوب من الزوجين دوام العشرة وطيبها يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول: ” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” البقرة: 228

ولذلك نص الفقهاء على وجوب إزالة المرأة ما قد يشينها، وينفر منها، كظهور شعر الشارب أو اللحية، أو كان حاجبها غليظا، فيزال الشعر من الشارب واللحية، ويزال من شعر الحاجب ما يجعله في شكله الطبيعي. وفى ذلك تروي العالية بنت أيفع رضى الله عنهما أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين إنَّ في وجهي شعرات أفأنتفهن: أتزين بذلك لزوجي فقالت عائشة: أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإن أمرك فأطيعيه، وإن أقسم عليك فأبريه، ولا تأذني في بيته لمن يكره. ومن ذلك، أيضاً: ما روته بكرة بنت عقبة أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف، فقالت: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي” (مسلم).

وهذه النصوص صريحة في أنَّ التجمل والتزين مطلوب ومرغوب من الرجل و المرأة، وهو في المرأة أخص، ولذلك وسَّع الإسلام في تجمل المرأة ما لم يوسعه للرجل فأباح لها التحلي بالذهب والفضة ولبس الحرير وغير ذلك؛ لأنَّ في ذلك إشباعاً، لما فطرت عليه المرأة من حب التزين فهو حاجة شديدة أكثر من كونه من الكماليات.

ومن ناحية عمل الباروكة قد يظن البعض أنَّ الباروكة ليست وصلا لشعر بشعر آخر، وهذا صحيح من حيث الواقع فهي ليست وصلاً على الحقيقة؛ لكنها في حكم الوصل، بل هي أبلغ في التجمل، ولذلك لا يلتفت لما قاله بعض الفقهاء من أن: مفهوم الوصل يدل على أنَّ المرأة لو وضعت على رأسها شعراً دون وصل حاز، وهو لا يدخل في النهي “فهذا غير مراد، وغير صحيح كما أشرنا”.
ومن هذا يعلم حكم استزراع الشعر، فان كان مفهومه أن تعالج فروة الرأس غير المنبت للشعر لينبت؛ فهذا تطبيب لا شك في جوازه.

وأما إن كان أخذ عينات من الشعر واستزراعها، ثم عمل باروكة منها تلبس وتخلع، ولا صلة لها بفروة الشعر فحكمها ما سبق، وليس لها خصوصية معينة.