لا شك أن بقاء النوع الإنساني هو أول أغراض الزواج، وبقاء النوع إنما يكون بدوام التناسل؛ لذا حبب الإسلام في كثرة النسل، وبارك الأولاد ذكورًا وإناثًا، روى النسائي وأبو داود وأحمد من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) ، وروى عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد بن أبي هلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة).

والإنجاب هو من الحقوق المشتركة بين الزوجين، فلا يجوز لأي منهما منع الآخر منه لغير ضرورة، ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل بغير رضا الزوجة، روى الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها).

وقال ابن قدامة في المغني: ولأن لها في الولد حقا، وعليها في العزل ضرراً فلم يجز إلا بإذنها…

وإذا وجدت ضرورة أو حاجة معتبرة شرعا فلا حرج على الزوجة أن تتخذ من الوسائل ما يحول بينها وبين الحمل شريطة ألا تؤدي إلى قطع النسل بالكلية، وقديما كانت الوسيلة التي يلجأ إليها الناس لمنع النسل أو تقليله هي العزل ومعناه أن يجامع الرجل زوجته وإذا شعر بخروج المني فإنه ينزع ويقذف خارج الرحم، وقد كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد النبوة والوحي كما رُوى في الصحيحين عن جابر “كنا نعزل في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والقرآن ينزل” وفي صحيح مسلم قال: “كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم ينهنا “.

وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي بالهند في الفترة: 23-25 شعبان 1409هـ الموافق 1-3 أبريل 1989م، بجامعة همدرد، دلهي (الهند) بحضور مائتين وعشرين عالماً وفقيهاً وباحثاً متخصصاً في العلوم الحديثة، ناقشوا موضوع تنظيم الأسرة وأصدروا بشأنه القرارات التالية بالإجماع:

قرار رقم: 1(1/ 1 ) بشأن تنظيم الأسرة قرَّرت الندوة بهذا الخصوص ما يلي:

أولاً: إن أية عملية تهدف إلى الحد من النوع الإنساني أو تقليصه تتنافى مع مفاهيم الإسلام الأساسية وغير مشروعة.

ثانياً: إن تهرب الوالدين من القيام بواجباتهما نحو الأولاد حرصاً على تقليص الأسرة كما هي موضة اليوم أو خشية تعرض الأنشطة التجارية والوظائفية للخطر أو خوفاً من حدوث العراقيل في الهواية الاجتماعية لا يقبله الشرع بأية حال.

ثالثاً: إن ما تحمله فئة من السيدات- اللائي يبتغين التوظف وتولي الخدمات انطلاقاً من الرغبة في اكتناز الأموال أو رفع مستوى الحياة، وينسين الغاية التي خلقن لتحقيقها، والمسؤوليات الكبرى التي أنيطت بهن من قبل الله سبحانه وتعالى كأمهات النوع البشري – من نزعة تقليص الأسرة لا صلة لها بالإسلام ألبتَّة.

رابـعاً: إذا كان هناك خوف تضرر الطفل في رضاعته وتنشئته ورعايته بحمل الأم عاجلاً بولد آخر، ففي هذه الحال يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، وتعاطي أسباب منع الحمل بقصد المباعدة بين فترات الحمل.

خامساً: لا يجوز للرجل استئصال القدرة على الإنجاب، كما لا يجوز ذلك للمرأة أيضاً إلا في حالة استثنائية وهي: أن يغلب الظن بموتها أو تلف عضو من أعضائها إذا حملت مجدداً بتقرير من يوثق به من الأطباء الحذاق، فحينئذ يجوز إجراء العملية الجراحية على امرأة كهذه لكي لا يستقر الحمل. أما الحالات العادية فلا يجوز فيها التحكم المؤقت في الإنجاب.

سادساً: هناك صور استثنائية يجوز فيها للرجل أو المرأة التحكم المؤقت في الإنجاب، وهي:

الأولى: أن تكون المرأة ضعيفة جداً، ويرى الأطباء الحذاق أنها لا تطيق الحمل، و إذا حملت فيغلب على الظن أن يصيبها ضرر شديد.

الثانية: إذا غلب على ظن الأطباء الحذاق خطر تضرر المرأة أثناء الولادة بأضرار ومشاق لا تطاق.