ابن السبيل عند جمهور العلماء : “كناية عن المسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد، والسبيل: الطريق.

وعن ابن زيد قال: ابن السبيل المسافر، غنيًا كان أو فقيرًا، إذا أصيبت نفقته أو فقدت. أو أصابها شيء. أو لم يكن معه شيء، فحقه واجب” . تفسير الطبري 14/31.

عناية القرآن بابن السبيل :

ذكر القرآن الكريم هذا اللفظ “ابن السبيل” في معرض العطف عليه والإحسان إليه ثماني مرات.

1. ففي القرآن المكي يقول الله تعالى في سورة الإسراء: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا) (الإسراء: 26).

2. وفي سورة الروم: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله) (الروم: 38 ).

3. وفي القرآن المدني يجعله الله تعالى من مصارف الإنفاق – فرضًا كان أو تطوعًا – قال تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون، قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) (البقرة: 215).

4. ويأمر بالإحسان في الآية التي سميت آية الحقوق العشرة: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) (النساء: 36).

5. ويجعل له حظًا في بيت مال المسلمين من خمس الغنائم: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (الأنفال: 41).

6. كما يجعل له حظَا من الفيء: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) (الحشر: 7).

7. ويجعل له سهمًا من الزكاة، وهي آية الصدقات في قوله تعالى : (إنما الصدقات…).إلى آخرها.

8. ويجعل له حظًا آخر – بعد الزكاة – في مال الأفراد، ويجعل ذلك من عناصر البر والتقوى: (وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة) (البقرة:177)

عناية لم يعرف لها نظير!!

إن عناية الإسلام بالمسافرين الغرباء والمنقطعين لهي عناية فذَّة، لم يُعرف لها نظير في نظام من الأنظمة أو شريعة من الشرائع. وهي لون من ألوان التكافل الاجتماعي فريد في بابه. فلم يكتف النظام الإسلامي بسد الحاجات الدائمة للمواطنين في دولته، بل زاد على ذلك برعاية الحاجات الطارئة التي تعرض للناس لأسباب وظروف شتى كالسياحة والضرب في الأرض. وخاصة في عصر لا توجد فيه طرق للمسافرين أو فنادق أو مطاعم أو محطات مُعَدة للاستراحة كما في عصرنا.

وفي الواقع العملي نجد ابن سعد يروي لنا: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اتخذ في عهده دارًا خاصة أطلق عليها “دار الدقيق”، وذلك أنه جعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يُحتاج إليه، يعين به المنقطع به، والضيف ينزل بعمر. ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به، ويحمل من ماء إلى ماء (طبقات ابن سعد: 3/283 – طبع بيروت).

وفي عهد خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز يحدثنا أبو عبيد أنه أمر الإمام ابن شهاب الزهري أن يكتب له السُنَّة في مواضع الصدقة. أي ما يحفظه من سُنَّة الرسول أو سُنَّة الراشدين في المواضع التي تُصرف فيها الصدقة، فكتب له كتابًا مطولاً، قسمها فيه سهمًا سهمًا. ومما جاء في الكتاب عن ابن السبيل قوله: “وسهم ابن السبيل يقسم لكل طرق على قدر من يسلكها ويمر بها من الناس، لكل رجل راحل من ابن السبيل، ليس له مأوى ولا أهل يأوي إليهم، فيطعم حتى يجد منزلاً أو يقضي حاجته. ويجعل في منازل معلومة على أيدي أمناء، لا يمر بهم ابن سبيل له حاجة إلا آووه وأطعموه، وعلفوا دابته، حتى ينفد ما بأيديهم، إن شاء الله” (الأموال ص 580).

فهل رأت البشرية رعاية لذوي الحاجات مثل هذه الرعاية في نظام غير نظام الإسلام، أو في أمة غير أمة الإسلام؟‍!