يثبت النسب بأمور أربعة هي النكاح الصحيح، النكاح الفاسد، ملك اليمين، شبه ملك اليمين، وقد سقط اثنان وبقي اثنان فذهب ملك اليمين وشبهه وبقي إثبات النسب بالنكاح الصحيح وبالنكاح الفاسد، فمن عقد على امرأة بعقد صحيح نسب إليه الولد، ومن دخل على امرأة بعقد فاسد فإن هذا العقد الفاسد تترتب عليه بعض آثار الزواج الصحيح مثل العدة والنفقة والصداق وثبوت النسب، بخلافه قبل الدخول فلا يترتب عليه شيء إلا التفرقة بين الزوجين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: ممثلاً للأنكحة المختلف فيها:

كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود، فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحاً لحقه فيه النسب.

وقال رحمه الله أيضا في الفتاوى الكبرى:

فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين سواء كان الناكح كافرا أو مسلما واليهودي إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منه يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا باتفاق المسلمين، ومن استحله كان كافرا تجب استتابته، وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب، ووطأها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه، ويرثه باتفاق المسلمين، و مثل هذا كثير، فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر، بل الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ الولد للفراش وللعاهر الحجر ]

فمن طلق امرأته ثلاثا ووطأها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق : أما لجهله، وإما لفتوى مفت مخطئ قلده الزوج، وإما لغير ذلك، فإنه يلحقه النسب، ويتوارثان بالاتفاق، بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها، فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته، فهي فراش له، فلا تعتد منه حتى تترك الفراش.

ومن نكح امرأة نكاحا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو ملكها ملكا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده، أو وطأها يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة : فإن ولده منها يلحقه نسبه، ويتوارثان باتفاق المسلمين، والولد أيضا يكون حرا، وإن كان الموطؤة مملوكة للغير في نفس الأمر، ووطئت بدون إذن سيدها لكن لما كان الواطئ مغرورا بها زوج بها، وقيل : هي حرة أو بيعت فاشتراها يعتقدها ملكا للبائع فإنما وطئ من يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة : فولده منها حر لاعتقاده، وإن كان اعتقاده مخطئا.

وبهذا قضى الخلفاء الراشدون واتفق عليه أئمة المسلمين، فهؤلاء الذين وطئوا وجاءهم أولاد لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق لافتاء من أفتاهم أو لغير ذلك : كان نسب الأولاد بهم لاحقا ولم يكونوا أولاد زنا بل يتوارثون باتفاق المسلمين هذا في المجمع على فساده فكيف في المختلف في فساده ؟ أهـ

وعلى هذا  فالعقد الفاسد يترتب عليه بعد الدخول الحقيقى وجوب العدة وثبوت النسب، كما يجب في العقد الفاسد الأقل من المهر المسمى ومهر المثل وتثبت به حرمة المصاهرة وتجب فيه العدة ويثبت به النسب كما يدرأ الحد بالعقد الفاسد.