يجب علينا أولاً أن نعرف أنه ما من أمر شرعه الله تعالى وأمر به، إلا ومن ورائه حكمة بالغة علمها من علمها، وجهلها من جهلها. وإذا لم ندرك نحن حكمة لأمر ما من الأمور التي أمر الله بها، فليس ذلك دليلاً على أنه لا حكمة له، وإنما ذلك دليل على قصورنا نحن، وعجز عقولنا.

وبعد ذلك نقول: إن العدة بكل أنواعها فيها حكمة معقولة لنا، وهي التحقق من براءة الرحم، لئلا تختلط الأنساب، وفيها معنى تعبدي يجب الوقوف عنده، والانصياع لأمر الله عز وجل فيه. ثم بعد ذلك نتأمل: لماذا تعتد المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر؟

إن الله سبحانه تعالى أوجب على المرأة بعد فراق زوجها إياها أن تنتظر مدة من الزمن لا تخطب فيها ولا تنكح إظهاراً لحق لزوجها، و تحققيقا لبراءة رحمها، ولما كان سبب الفراق إما موت الزوج أو طلاقه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى البالغة، وعدله الشامل أن تكون تلك المدة ـ في حالة الوفاة التي صاحب الحق فيها ليس موجوداً ـ أمراً ظاهراً يستوي في تحقيقه القريب والبعيد، ويحقق الحيض الدال على براءة الرحم، وحدد بأربعة أشهر وعشر ؛ لأن الأشهر الأربعة ثلاث أربعينات، وهي المدة التي تنفخ فيها الروح في الجنين، ولا يتأخر تحركه عنها غالباً، وزيد إليها عشرة أيام لظور تلك الحركة ظهورا بيناً. وأيضا فإن هذه المدة هي نصف مدة الحمل المعتاد تقريبا، وفيها يظهر الحمل ظهوراً بيناً، بحيث يعرفه كل من يرى. أما في الطلاق فلما كان صاحب الحق موجوداً، قائماً بأمره، مناقشا عن حقه، أمرت المرأة أن تعتد بأمر تختص هي بمعرفته، وتؤتمن عليه، ولا يعرف إلا من جهتها، وهو الأقراء.