الأصل في اشتراط طهارة الرِّجلين قبل لبس الخفين لجواز المسح عليهما حديث المغيرة بن شعبة المتفق عليه وما في معناه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير له فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما، وورد هذا الحديث بألفاظ أخرى في الصحيحين وغيرهما، وكان ما ذكر فيه في وقعة تبوك وهي بعد نزول سورة المائدة التي فيها آية الوضوء.

واختلف فقهاء الأمصار من سلف الأمة في المراد بطهارة القدمين، فذهب الجمهور إلى أنها الطهارة الشرعية، وذهب بعضهم إلى أنها الطهارة الحسية التي تستفاد من إطلاق اللغة، أي أدخلهما نظيفتين ليس عليها خبث، وهذا مذهب الإمام داود.

وفي حديث عمرو بن أمية الضمري عند أحمد والبخاري وغيرهما وحديث بلال عند أحمد ومسلم وأصحاب السنن ما عدا أبا داود، وحديث المغيرة عند مسلم والترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة، وفي بعض الروايات: الخمار والخفين)، وروي العمل بحديث المسح على العمامة عن جماعة من الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار كالأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.

ولم يُروَ اشتراط وضع العمامة أو الخمار على طهارة إلا عن أبي ثور، وهذا يرجح قول داود بن علي في طهارة القدمين؛ لأن من شأنهما أن يصيبهما الخبث، وهذا المسح لا ينافي حكمة الوضوء؛ وهي تعهد أطراف البدن بالنظافة لكثرة طروء الوسخ عليها وما في غسلها من التنشيط على العبادة مع سهولة ذلك وعدم الحرج والمشقة فيه إلا في نزع العمامة والخفين، وأعني العمامة التي كانوا يتعممون بها في عهد التشريع، فقد كانت تدار على الرأس مباشرة في الغالب ويحتنك بها فتشبه الخمار؛ ولهذا ورد المسح بلفظ العمامة وبلفظ الخمار.

وإزالة مثل هذه العمامة لمسح الرأس وإعادتها لا يخلو من مشقة كنزع الخفين وغسل الرجلين، فلما كان الأمر كذلك، وكان الله عز وجل يقول في آية الوضوء [مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ](المائدة:6) وليس عندنا نص نقيد به المسح بما اشترطه الطحاوي- فظهر أن قول الطحاوي بوجوب الوضوء والمسح عليهما قبل أن يحدث بعد لبسهما على طهارة لا يقتضيه نص الأحاديث الواردة في مشروعية المسح ولا حكمة الوضوء والمسح؛ ولذلك كان الجمهور على خلافه .