اختلفت العلماء في نزول سورة الكوثر، هل كان بمكّة أو بالمدينة. فعلى القول الأول بنزولها في مكّة يكونُ المراد بالصّلاة الصلاة المفروضة ، سواء منها ما كان قَبل ليلة الإسراء حيث قيل: إن الصلاة كانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وما كان بعد ليلة الإسراء، وهي الصلوات الخمس. والمراد بالنّحر هو الذّبح، بذكر اسم الله أو التقرُّب إليه. والمعنى: اجعل صلاتَك ونحرَك يا محمد لله لا لغيره كما يفعَل المُشركون ولا يصحّ أن يُراد بالصلاة هنا صلاة العيد ولا بالنّحر تقديم الأضاحي أو الهدى، فذلك لم يُشرع إلا في المدينة بالإجماع كما حكاه ابن عمر.
وعلى القول الثاني بنزولها في المدينة، يحتمل رأي غير الرأي الذي سبق، وهو أن المراد بالصّلاة صلاة العيد وبالنَّحر ذبح الأُضحية، كما رآه قتادة وعاء وعكرمة.
قال أنس: كان النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينحَر ثم يصلِّي، فأمره الله أن يصلي ثم ينحر، وقال سعيد بن جُبير: المراد بالصلاة صلاة الصبح المفروضة بالمزدلَفة والنّحر يكون بمنًى، وجاء عنه أنها نزلت في الحديبية للتحلُّل من الإحصار.
والقول الأول هو الراجح، لأن أقوى الروايات في سبب النزول تدلُّ على أنها نزلت بمكّة، حيث عاب المُشركون موتَ ولد النبي وقالوا: صار أبترَ، على ما كان من عادتِهم فيمن يموت وليس له ولد ـ وما قيل من أن ذلك كان بالمدينة عند موت ولده إبراهيم ضعيف ـ فالله سبحانه يسلِّي نبيَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه أعطاه الكوثرَ، أي الخير الكثيرَ، وهذا الخير الكثير على أرجح الأقوال هو نهر في الجنّة كما جاء في رواية البخاري، أو الحوض الذي يكون في الموقف قبل دخول الجنّة كما جاء في رواية مسلم، أو هو النبوة.
وفي مقابل هذا الخير الكثير يجب أن يَشكُرَ النبيّ ربّه عليه بأن تكون صلاتُه كلُّها ونحرُه كلُّه لله وحده وليس لغيره، والمُراد أن يستمر في دعوته ويثبت على عقيدته وسلوكه غير عابِئٍ بما يقوله المشركون، فالأبترُ في الحقيقة هم هؤلاء الذي قطع الله عنهم الخير بسبب كُفرهم.
ومن البعدي أن يكون الشكر على الكوثر صلاة العيد ونحر الأضحية أو الهدى. قال ابن العربي : والذي عندي أنه أراد: اعبد ربَّك وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خَصَّك بالكَوثر.

وبالحري أن يكون جميع العمل يُوازي هذه الخصوصيّة من الكوثر وهو الخير الكثير الذي أعطاكه الله، أو النهر الذي طِينه من مسك، وعدد آنيته نجوم السماء، أما أن يُوازي هذا صلاة يوم النَّحر وذبح كَبش أو بقرة أو بَدنة فذلك يَبعد في التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة”. (تفسير القرطبي ج 20 ص 220″).