هلال ذي الحجة وهلال رمضان وشوال:

أولا : بشأن هلال ذي الحجة، الأفضل فيه أن يكون الناس تبعا للسعودية ، ولا ينبغي الشذوذ عما تعلنه السعودية لما في ذلك من الفرقة والاختلاف في غير داع ؛ خاصة أن مناسك الحج تقع داخل أراضيهم.

ثانيا: بشأن بقية الأهلة ، ومنها هلال رمضان وشوال، فإذا رؤي الهلال في بلد دون بقية البلاد، فلا يزال العلماء مختلفين: هل تلتزم بقية البلاد بالبلد الذي رأى الهلال أم لا؟

والخلاف في هذا سائغ مقبول.  ولذلك اختلفت المجامع الفقهية في ما بينها في هذا الموضوع، ففي حين أكد مجمع المنظمة في دورته الثالثة على إلغاء  تعدد المطالع فإن مجمع الرابطة في دورته الرابعة لم يلغ اعتبار تعدد المطالع، ورأى أن لكل دولة مطلعها.

وإذا كان لا بد من الاختيار من بين هذا الكم الهائل من الاتجاهات ، فإننا نختار ما انتهى إليه مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا  ، فقد جاء فيه :-

هذه هي جملة الاختلافات الفقهية الواردة في هذا الباب، وجلها من مسائل الاجتهاد، والخلاف الوارد فيها خلاف معتبر، والأصل في مسائل الاجتهاد أن لا يضيق فيها على المخالف، وأن لا تكون سببا في قطيعة أو تهاجر، وقد اتفقت المجامع كلها وأهل الفتوى كافة أن على المسلم أن يتبع الموقف الاجتهادي الذي يتخذه أصحاب النظر في بلده، أيا كانت موافقته أو مخالفته لما يعتقده راجحا، لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس.

إن قضية ثبوت الأهلة قضية سلطانية في المقام الأول، بمعنى أنه لا يحسم الخلاف الوارد فيها إلا جهة ذات سلطان، تستطيع بسلطانها أن تنفذ قرارها على الناس كافة، وتصبح مخالفتها في هذه الحالة صورة من صور الشذوذ والمنابذة والبغي، فالمشكلة إذن لا تكمن في ترجيح بعض هذه الآراء على بعض، وإنما تكمن في غياب هذه السلطة التي تتمتع بالمرجعية، والتي يدين لها الناس بالطاعة، وتمضي عليهم اجتهادها فلا ينازعها أحد، سواء أكانت هذه السلطة دينية يتبعها الناس لثقتهم في كفايتها وديانتها، أو سلطة دنيوية يتبعها الناس لسلطانها وشوكتها.

والذي يترجح لدى أمانة المجمع أن الاجتهاد القائل بعدم اعتبار اختلاف المطالع ، وأنه متى رؤي الهلال وثبت ثبوتا شرعيا في أي بلد إسلامي لم يعرف بشذوذ عن الجماعة، فقد لزم الصوم بقية المسلمين الذين يشتركون مع بلد الرؤية في جزء من الليل هو أولى هذه الاجتهادات بالصواب، وأيسرها تطبيقا في ظروف الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب، وينبغي أن يجري اتصال مباشر مع أهل الفتوى في هذا البلد للتحقق من صحة النبأ، ثم يترك حسم الخلاف المتعلق باعتبار الحساب أو عدم اعتباره إلى هذه الجهة، فأيما اجتهاد تبنته سلم لها من الناحية العملية، وإن بقي كل على اختياراته الفقهية من الناحية النظرية، وذلك لما يلي:

– أن هذا هو رأي جمهور أهل العلم ، واختيار المحققين منهم.

– زوال الاعتبارات التي بنى عليها القائلون باعتبار اختلاف المطالع موقفهم ، فإن اليسر والتوسعة الذي كان وراء ترجيح هذا القول لم يعد له مفهوم في ظل تطور وسائل التقنية في واقعنا المعاصر، وتحول العالم كله إلى ما يشبه القرية الواحدة، وانتقال الخبر بين أرجاء المعمورة كلمح بالبصر!

– أن هذا أقرب لمقصود الشارع من الائتلاف واجتماع الكلمة ، وخطوة على طريق وحدة الأمة وجمع كلمتها.

– أنه لا يثير حساسية إقليمية، فأيما بلد إسلامي أعلن الرؤية فإن الجاليات الإسلامية تبع له تعتمد قوله وتعمل به.

– رفع الحرج الذي يسببه اعتبار اختلاف المطالع عندما تتعارض الرؤية في الغرب مع رؤية أهل مكة في عيد الأضحى، حيث يكون أصحاب هذا الاجتهاد بين أمرين: إما مخالفة الحجيج وفيه من مخافة الإجماع العملي، ومصادمة الشعور الإسلامي، ما فيه، وإما موافقة الحجيج مع ما يعنيه ذلك من التناقض مع ما يرجحونه من أصول فقهية.

لماذا لم يتبن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا القول باعتبار اختلاف المطالع:

هذا ولم تتبن أمانة المجمع القول باعتبار اختلاف المطالع لجملة من الاعتبارات تذكر منها:
– كونه مرجوحا من الناحية الفقهية فإن جماهير أهل العلم على عدم اعتبار اختلاف المطالع
– عسر الاجتماع على جهة بعينها في الظروف الراهنة نظرا لتباين الاجتهادات الفقهية والدعوية، وتدخل الاعتبارات الحزبية والإقليمية.

– ما يصيب الحس الإسلامي من حرج بالغ إذا لم تتوافق رؤية الهلال في ذي الحجة مع الرؤية في بلاد الحجاز، فقد انعقد ما يشبه الإجماع العملي أن الناس في هذا العيد تبع لأهل مكة، ولهذا فإن كثيرا من الحاسبين والآخذين باعتبار اختلاف المطالع يعتمدون رؤية السعودية في عيد الأضحى مع ما قد يبدوا في هذا الموقف من تعارض مع أصولهم وترجيحاتهم.

– تباين الرؤية الفقهية حول قضية الاعتداد بالحساب وعدم الاعتداد به، فإن الخلاف حول هذه القضية حاد بين الطرفين، ولعل أوسط الآراء في ذلك هو الاعتداد به نافيا إذا جزم باستحالة الرؤيا ، وعدم الاعتداد به مثبتا.