نزل القرآن على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ منجمًا أي مُجَزأ أو مفرَّقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة لحِكمة جاءت في قوله تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْه الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِه فُؤَاَدكَ وَرَتَّلْنَاه تَرْتِيلًا ) ( سورة الفرقان : 32 ) وفي قوله ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاه لِتَقْرَأَه عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاه تَنْزِيلًا ) ( سورة الإسراء : 106 ) .
فالحكمة في نزوله منجمًا هى تثبيت قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المُضي في تبليغ الدعوة وعدم اليأس من تأييد الله له ونصره عندما يواجهه المشركون بأنواع العُنْف. وفي كل وقت كان يتعرَّض لمثل هذه الأزمة فيفرج الله عنه بجرعة من القرآن الكريم، فيها التأسي بأولى العزم من الرسل والوعد بالمثوبة والنصر المُؤَزَّر، وكذلك لقاؤه مع جبريل يعطيه قوة وطمأنينة.
ومن الحكمة تيسير حفظ القرآن على الرسول والمؤمنين؛ لأنهم أُمِّيون لا يقرءون ولا يكتبون، وكل اعتمادهم أو أكثره على الحفظ والرواية، فإذا نزل على فترات كان ذلك أيْسر عليهم في حفظه واستيعابه، وفي تدبُّره أيضًا .
في تفريقه إعطاء فرصة للكفار أن يتدبَّروا كل جملة تنزل من آياته، لعلهم يؤمنون بأنه معجزة، ومن عند الله وحده. فكل مجموعة تنزل بمثابة دليل جديد على صدق الرسالة.
ومن الحِكم ملاحقة الأحداث الجارية والإجابة على الأسئلة المتنوعة والطارئة.
وكذلك من الحِكم التدرُّج في التشريع والتربية، صح في البخاري عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : إنما أُنزل أوَّل ما أُنزل من القرآن سور من المفصَّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل ( لا تشربوا الخمر ) لقالوا :لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل ” لا تزنوا ” لقالوا : لا ندع الزنا أبدًا.