يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

قال ابن قدامه في (المغني) السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى،لما روى ابن عمر:أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر،ثم رجع فصلى الظهر بمنى. متفق عليه. وقالت عائشة: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق. رواه أبو داود.

قال ابن قدامه: وظاهر كلام ( الخرقي): أن المبيت بمنى ليالي منى: واجب (لقوله: ولا يبيت بمكة ليالي منى) وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وقال ابن عباس: لا يبيتن أحد من وراء العقبة ليلا، وهو قول عروة وإبراهيم ومجاهد وعطاء، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قول مالك والشافعي.

والثانية: ليس بواجب، رُوي ذلك عن الحسن، ورُوي عن ابن عباس:إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت.

قال ابن قدامة: ولأنه قد حل من حجه،( أي تحلل التحلل النهائي ) فلم يجب عليه المبيت بموضع معين،كليلة الحصبة (التي بعد أيام التشريق) ا.هـ

ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليالي أيام التشريق، وكان مبيته بها أمرا طبيعيًا؛ لأنه لم يكن له ولا لأصحابه بيوت في مكة،وهو محتاج إلى البقاء في منى من أجل رمي الجمرات، فهو يبيت في المكان الذي يسهل عليه الرمي منه، ومن هنا كان المبيت بمنى أسهل عليه وعلى أصحابه، ليظلّوا معًا في تجمع إسلامي فريد، بعد أداء المناسك، يرمون الجمرات، ويذكرون الله في أيام معدودات، ويأكلون ويشربون ويتمتعون بما أحل الله لهم من أشياء كانت محظورة عليهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أيام منى (أو أيام التشريق) أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى).

فمن لم يكن له حاجة ولا مصلحة في ترك المبيت بمنى، فيسن له أن يبقى بها تأسّيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو تأس مطلوب طلب الاستحباب، وليس طلب الوجوب فيما أرى.

ومن كان يشق عليه المبيت بمنى، أو كانت له حاجة أو مصلحة في عدم المبيت بمنى، فلا حرج عليه في ذلك، إذ لا دليل يدل على الوجوب، وقوله صلى الله عليه وسلم:” خذوا عني مناسككم” لا يدل على أن كل أفعال الحج واجبة، ففيها الأركان والواجبات والمستحبات . والحديث أشبه بحديث ” صلوا كما رأيتموني أصلي” ومع هذا يوجد في الصلاة ما هو فرض ، وما هو واجب، وما هو مستحب.

ومما لا ينازع فيه أحد: أن في مناسك الحج أمورًا كثيرة من باب المستحبات، مثل الاغتسال للإحرام، وصلاة ركعتين له، والتلبية ورفع الصوت بها، والأدعية والأذكار في الحج، وتقبيل الحجر الأسود أو استلامه أو الإشارة إليه.

وفي كتب الحنابلة ما يشد أزر القائلين بالتيسير في أمر المبيت بمنى، وإجازة المبيت بمكة وما حولها، خصوصا مع كثرة الحجاج، وضيق منى بهم، رغم تيسيرات الدولة السعودية.

قال المرداوي في (الإنصاف) فيمن ترك المبيت بمنى في لياليها: (الصحيح من المذهب: أن عليه دماً، نقله حنبل، وعليه أكثر الأصحاب.

وبهذا يتضح أن في أمر المبيت بمنى ليالي أيام التشريق سعة، وحسبنا قول ابن عباس: إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت، وعندنا من أقوال التابعين من لم ير في الأمر شيئا.

ولدينا من أقوال الأئمة المتبوعين (ومنهم أبو حنيفة وأصحابه ورواية عن أحمد) ما يفتح لنا الباب واسعا، ومنهم من طلب التصدق باليسير، ومن لم يطلب شيئا، وكل هذا فيمن ترك المبيت بلا عذر ولا حاجة، ولكن الوضع في زمنا لم يعد كذلك، فقد ضاقت منى بحجاجها، وهي واد محصور، فمن هنا كان هناك عذر عام للكثيرين أن يبيتوا بمكة وما حولها، من أجل تخفيف الزحام عن منى، وأسوة هؤلاء ما رخص به رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاء أن يبيتوا بمكة، وكذلك للعباس من أجل السقاية، وذلك لأعذارهم الظاهرة.