التأمين على الحياة بكافة الصور التي تديرها شركات التأمين التقليدية حرام كما قررت المجامع الفقهية ، وذلك نظرا للغرر، وشراء المال بالمال، فطالب التأمين يدفع مالاً (أقساط) في مقابل (مال) مبلغ التأمين، ولا يجوز شراء النقدين إلا يداً بيد ومثلاً بمثل.

يقول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوى: لابد من معرفة طبيعة هذه الشركات ما هي؟ وما علاقة الفرد المؤمن له بالشركة المؤمنة؟
وبعبارة أخرى: هل يعتبر الشخص المؤمن له لدى مؤسسة التأمين شريكاً لأصحابها؟
لو كانت كذلك لوجب أن يخضع كل مؤمن له فيه للربح والخسارة وفق تعاليم الإسلام.

وفي التأمين ضد الحوادث يدفع المؤمن له مقداراً من المال في العام فإذا قدر سلامة ما أَمَّن عليه (متجر أو مصنع أو سفينة أو غير ذلك) فإن الشركة تستولي على المبلغ كله ولا يسترد شيئا منه. وإذا حلت به كارثة عوض بالمقدار المتفق عليه، وهذا أبعد ما يكون عن طبيعة التجارة والاشتراك التضامني.

وفي التأمين على الحياة إذا أمن بمبلغ 2000 ألفين من الجنيهات مثلاً، ودفع أول قسط ثم اخترمته المنية، فإنه يستحق الألفين كاملة غير منقوصة. ولو كان شريكاً في تجارة ما استحق غير قسطه وربحه.

ثم هو لو أخل بالتزامه نحو الشركة، وعجز عن سداد الأقساط -بعد دفع بعضها- لضاع عليه ما دفعه أو جزء كبير منه. وهذا أقل ما يقال فيه: إنه شرط فاسد.
ولا وزن لما يقال: إن الطرفين -المؤمن له والشركة- قد تراضيا، وهما أدرى بما يصلحهما، فإن آكل الربا ومؤكله متراضيان. ولاعبي الميسر متراضيان، ولكن لا عبرة بتراضيهما، ما دامت معاملتهما غير قائمة على أساس من العدالة الواضحة التي لا يشوبها غرر ولا تظالم، ولا غنم مضمون لأحد الطرفين غير مضمون للطرف الآخر. العدالة إذا هي الأساس ولا ضرر ولا ضرار.

هل مؤسسات التأمين مؤسسات تعاونية:

وإذا لم يتضح لنا بوجه من الوجوه أن العلاقة بين المؤمن له والشركة علاقة الشريك بالشريك فماذا عسى أن تكون طبيعة العلاقة بينهما؟ هل هي علاقة تعاون؟ أو أن هذه الجمعيات عبارة عن مؤسسات تعاونية تقوم على مساهمة مجموعة من المتبرعين بمقادير من أموالهم يدفعونها بقصد المساعدة بعضهم لبعض؟
ولكن لكي يكون هناك تعاون سليم بين أي جماعة لتساعد أحد أفرادها إذا نزل به مكروه، يشترط فيما يجمع من مال لتحقيق هذه الغاية أمور:
1ـ  أن يدفع الفرد نصيبه المفروض عليه في ماله على وجه التبرع، قياما بحق الأخوة، ومن هذا المال المجموع تؤخذ المساعدات المطلوبة للمحتاجين.
2ـ  إذا أريد استغلال هذا المال المدخر فبالوسائل المشروعة وحدها.

3ـ لا يجوز لفرد أن يتبرع بشيء ما على أساس أن يعوض بمبلغ معين إذا حل به حادث، ولكن يعطى من مال الجماعة بقدر ما يعوض خسارته أو بعضها، على حسب ما تسمح به حال الجماعة.

4ـ  التبرع هبة والرجوع فيها حرام، فإذا حدث فليراع حكم الشرع في ذلك.

وهذه الشروط لا تنطبق إلا على ما تقوم به بعض النقابات والهيئات عندنا حيث يدفع الشخص اشتراكاً شهرياً على وجه التبرع، ليس له أن يسترده ويرجع فيه، ولا يشترط مبلغا معينا يمنحه عند حدوث ما يكره.

أما شركات التأمين وخاصة التأمين على الحياة فإن هذه الشروط لا تنطبق عليها بحال، فالأفراد المؤمن لهم لا يدفعون بقصد التبرع، ولا يخطر لهم هذا على بال.
وشركات التأمين جارية على استغلال أموالها في أعمال ربوية محرمة. ولا يجوز لمسلم أن يشترك في عمل ربوي. وهذا مما يتفق على منعه المتشددون والمترخصون.

يأخذ المؤمن له من الشركة -إذا انقضت المدة المشروطة- مجموع الأقساط التي دفعها، وفوقها مبلغ زائد، فهل هو إلا ربا؟!
كما أن من مناقضات التأمين لمعنى التعاون أن يعطي الغني القادر أكثر مما يعطي العاجز المحتاج؛ لأن القادر يؤمن بمبلغ أكبر فيعطي عند الوفاة أو الكارثة نصيبا أكثر، مع أن التعاون يقضي أن يعطى المحتاج أكثر من غيره.

ومن أراد الرجوع في عقده انتقص منه جزء كبير، وهو انتقاص لا مسوغ له في شرع الإسلام.