أجرة الإمام لا تخلو، إما أن يأخذ الإمام رزقاً من بيت المال (وزارة المالية) مقابل إمامته للناس في الصلاة، وإما أن يأخذ أجرة من الناس مقابل ذلك.

فأما أخذ الرزق من بيت المال، فإنه جائز باتفاق السلف، قال الشيخ ابن قاسم –رحمه الله- في حاشيته على الروض المربع (1/434): “وقد أجرى السلف أرزاقهم من بيت المال من المؤذنين والأئمة، والقضاة، والعمال، وغيرهم، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، وكان عمر-رضي الله عنه- وغيره يعطونهم منه، وجرت العادة –أيضاً- بين المسلمين بجواز أخذ من يؤم ويؤذن، وغيرهم من الأحباس الموقوفة على ذلك من غير اختلاف منهم” ا.هـ. كما نفى الخلاف ابن قدامة في المغني (2/70) على جواز أخذ الرزق على الأذان –وهو من أعمال القرب كالإمامة- فقال: “ولا نعلم خلافاً في جواز أخذ الرزق عليه” ا.هـ. هذا بالنسبة لأخذ الرزق على الإمامة.

أما بالنسبة لأخذ الأجرة فقد اختلف أهل العلم في جواز أخذها على أقوال:

الأول: أنه لا يجوز، وهو قول متقدمي الحنفية، وهو الأصح في المذهب عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وزاد الحنفية فإن لم يشارطهم على شيء لكن عرفوا حاجته، فجمعوا لـه شيئاً كان حسناً ويطيب لـه. كما في البحر الرائق (1/268) وانظر روضة الطالبين (5/188) والإنصاف (14/378).

الثاني: أنه جائز، وهو قول لبعض المالكية، ووجه عند الشافعة، ورواية عند الحنابلة، كما في الخرشي (1/236) وروضة الطالبين (5/188)، والإنصاف (14/378).

الثالث: أنه جائز بشرط أن يأخذ الأجرة على الإمامة وعلى الأذان أو الإقامة، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية، كما في الخرشي (1/236).

الرابع: أنه جائز أخذ الأجرة مع الضرورة أو الحاجة، وذلك بأن يكون فقيراً، فلا يجوز أخذها مع الغنى، وهو قول عند الحنابلة، كما في الإنصاف (14/379). واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (30/207).

الخامس: أنه يكره أخذ الأجرة عليها، كما في الإنصاف (14/379).

وأقرب هذه الأقوال إلى الصحة من حيث الدليل والنظر، هو القول بالتحريم مطلقاً، والقول بالتحريم إلا إذا كان ثمة ضرورة أو حاجة فيجوز، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- لاسيما إذا كان القول بالمنع يؤدي إلى تعطيل المساجد، وإضاعة صلاة الجماعة، كما هو الحال في بعض البلاد العربية والإسلامية، بحيث لا يدفع رزق للإمام، أو يدفع مرتب رمزي لأجل الحاجة، ووجه القول بأن الأصل التحريم: أن الشارع الحكيم نهى عن اتخاذ المؤذن الذي يأخذ على أذانه أجراً، حيث قال عليه الصلاة والسلام لعثمان بن أبي العاص –رضي الله عنه-: “واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً” أخرجه أحمد (4/29)، والنسائي (1/351)، والحاكم (1/199)، وقال: على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وابن حجر في البلوغ (ص167)، وصححه الألباني في الإرواء (5/316).

فإذا نهي عن اتخاذ المؤذن الذي يأخذ أجراً على أذانه، فالإمام من باب أولى؛ لأن عبادة الصلاة أعظم من عبادة الأذان، وأشد تعلقاً بذمة المكلف، وأكثر خصوصية بالعبادة منه. ولا شك أن الأحوط لدين المسلم أن يتورع عن هذا المال ولو كان محتاجاً، فالله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وسيغنيه –بإذن الله تعالى- بفضله عمن سواه.

وأما حديث: “اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به” فهو من أدلة من قال بتحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ويمكن أن يكون دليلاً –أيضاً- لمن قال بتحريم أخذ الأجرة على الإمامة، وذلك باعتبار أن الصلاة تشتمل على قراءة، ومن هنا فيمكن أن يستدل به، وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده (3/551)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/400)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/18)، وقوى إسناده ابن حجر في الفتح (8/101)، والألباني في السلسلة الصحيحة (1/522).

وأما بالنسبة للفرق بين الأجرة وبين الرزق من بيت المال، فبينهما فرق ظاهر، فالأجرة هي من المال الخاص الذي تلحق المسلم فيه المنَّة بالأخذ منه، وهذا بخلاف الرزق، فهو من المال العام الذي يضرب فيه كل مسلم منه بسهم، وهو إنما يصرف في المصالح العامة، ومنها رزق الأئمة والمؤذنين والقضاة والمفتين، وغيرهم.