اختلف في تعيِين الرجل المذكور ، فال ابن مسعود ابن عباس: هو بلعام بن باعوراء وقيل تاعم، وهو من بني إسرائيل، عاش في زمن موسى ـ عليه السلام ـ وكان بحيث إذا نظر رأي العرش، وهو المعني بقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) ولم يقُل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف مَحبرة للمتعلِّمين الذين يكتبون عنه، ثم صار بحيث إنه كان أول مَن صنّف كِتابًا في أنه ليس للعالم صانِع.
معنى هذا أنه كان صالِحًا ثُمّ ضَلَّ، وهو معنى الانسلاخ، أي نزع الله منه العلمَ الذي كان يعلِّمه، والإيمان الذي كان يَلبَس ثوبَه.
وقيل: نزلت في أميّة بن أبي الصَّلت الثقفي، وكان قد قرأ الكُتب وعلم أن الله مُرسِل رسولًا في ذلك الوقت، وتمنّى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسدَه وكَفَرَ به، وهو الذي قال فيه الرسول “آمَنَ شِعرُه وكَفَرَ قَلبُه” وهناك أقوال أخر ذكرها القرطبي في تفسيره، وليس لواحد منها سند صحيح يوثَق به، وقال: إن القول الأول أشهر وعليه أكثر المفسرين.
ولو أن هذا الرجل بَقِيَ على الهدى لأماتَه الله مؤمنًا ورفع شأنه، ولكنه اتَّبع هواه وسار مع الشيطان ورغب في الدنيا، فكانت خاتمته سيئة، وقد شُبِّهَ الرّجلُ بالكلب لأَنّه يلهَث دائمًا على كل حال، إن طردْتَه أو لم تطرُده، يقول ابن جُريج: الكلب منقطِع الفؤاد، لا فؤادَ له (كذا) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهَث ، كذلك الذي يترك الهدى لا فؤادَ له، وإنما فؤاده منقطِع، وقال القتيبي: كل شيء يلهَث فإنّما يلهث عن إِعياء أو عَطَش، إلا الكلب فإنه يلهَث في حال الكَلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصّحة، وحال الرِّيِّ وحال العطش، فضربَه الله مثلًا لمن كذّب بآياته، فقال: إن وعظتَه ضل وإن تركته ضلّ، كقوله تعالى: (وإنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الهُدَى لَا يَتّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) (سورة الأعراف : 193).
وهذا المثل في قول كثير من أهل العلم بالتأويل عامٌّ في كل من أوتي القرآن فلم يعمل به. هذا من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية، والأقوال كثيرة في كتب التفسير وهي اجتهاديّة ليست قاطعة، وتَكفينا العِبرة من المثل.