الاعتكاف مشروع للنساء كما هو مشروع للرجال ولكن يشترط أن تكون المرأة طاهرا من الحيض والنفاس عند جمهور الفقهاء، كما يشترط إذن الزوج أو الولي، كما يشترط لصحة اعتكاف المرأة أمن الفتنة فلا يصح اعتكاف المرأة في مسجد لا يوجد فيه مكان خاص بالنساء.

يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

الاعتكاف من السنن الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ( وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتكف في رمضان في العشر الأواخر منه) رواه البخاري ومسلم.

ويشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد قال الله تعالى: (ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة الآية 187 .

ولم يعتكف النبي -صلى الله عليه وسلم-  إلا في المسجد، فلا يصح الاعتكاف في البيوت.

والاعتكاف مشروع للنساء كما هو مشروع للرجال إلا أنه يشترط لصحة الاعتكاف من المرأة أن تكون طاهراً من حيض أو نفاس على قول جمهور أهل العلم.

ويدل على مشروعية  الاعتكاف للنساء ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده ) رواه البخاري ومسلم.

وثبت في الحديث الآخر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ) رواه البخاري ومسلم

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ قوله: (فترك الاعتكاف) ‏في رواية أبي معاوية ” فأمر بخبائه فقوض ” وهو بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة أي نقض وكأنه -صلى الله عليه وسلم- خشي أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشىء عن الغيرة حرصاً على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه أو لما أذن لعائشة وحفصة أولا كان ذلك خفيفاً بالنسبة إلى ما يفضي إليه الأمر من توارد بقية النسوة على ذلك فيضيق المسجد على المصلين أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيره كالجالس في بيته وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة فيفوت مقصود الاعتكاف.] فتح الباري 4/351.

ويجب أن يعلم أنه يشترط إذن الزوج وموافقته لجواز اعتكاف الزوجة وكذا غير المتزوجة فلا بد من موافقة وليها.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء) ‏‏في رواية الأوزاعي المذكورة ” فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت ” وفي رواية ابن فضيل المذكورة ” فاستأذن عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة ، فسمعت بها حفصة فضربت قبة “] فتح الباري 4/350

و قال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً: [… قال ابن المنذر وغيره: في الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها.

وعن أهل الرأي إذا أذن لها الزوج ثم منعها أثم بذلك وامتنعت، وعن مالك ليس له ذلك، وهذا الحديث حجة عليهم] فتح الباري 4/351

ويشترط لصحة اعتكاف المرأة أمن الفتنة فلا يصح اعتكاف المرأة في مسجد لا يوجد فيه مكان خاص بالنساء لأنها حينئذ ستختلط بالرجال وهذا فيه مفاسد تنافي الحكمة من الاعتكاف ومن المعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وإن اعتكفت مجموعة من النساء في مسجد خاص بهن فأمر حسن إن كان المسجد آمناً .

ولا يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة ولا الجماعة لأنهما ليستا واجبتين على المرأة .

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد ولا يشترط إقامة الجماعة فيه لأنها غير واجبة عليها وبهذا قال الشافعي وليس لها الاعتكاف في بيتها. وقال أبو حنيفة‏ والثوري‏:‏ لها الاعتكاف في مسجد بيتها وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه واعتكافها فيه أفضل؛ لأن صلاتها فيه أفضل وحكي عن وحكي عن أبي حنيفة‏ أنها لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة ‏(‏لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال‏:‏ ( آلبر تردن‏‏)‏ ولأن مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل.

ولنا‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏ والمراد به المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لأنه لم يبن للصلاة فيه وإن سمي مسجداً كان مجازاً‏ فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(جعلت لي الأرض مسجداً)‏ ولأن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- استأذنه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن‏‏ ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه‏ ونبههن عليه؛ ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق الرجل فيشترط في حق المرأة‏ كالطواف وحديث عائشة حجة لنا لما ذكرنا وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال‏‏ حيث كثرت أبنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه منهن‏‏ خشية عليهن من فساد نيتهن وسوء المقصد به ولذلك قال‏ -صلى الله عليه وسلم-:‏(‏ آلبر تردن‏)‏ منكراً لذلك أي لم تفعلن ذلك تبرراً ولذلك ترك الاعتكاف‏‏ لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه ولو كان للمعنى الذي ذكروه لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن‏ ولم يأذن لهن في المسجد وأما الصلاة فلا يصح اعتبار الاعتكاف بها فإن صلاة الرجل في بيته أفضل ولا يصح اعتكافه فيه‏.] المغني 3/190-191.‏

وخلاصة الأمر أن الاعتكاف للنساء مشروع كالرجال بشروطه السابقة ولكن نظراً للظروف الصعبة التي يعيشها الناس في بعض البلاد فنرى أنه لا ينبغي للنساء أن يعتكفن في المساجد في العشر الأواخر من رمضان ولا في غيرها إلا إذا اعتكفت المرأة في المسجد ساعة من النهار أو سويعات فلا بأس بذلك وأما أن تعتكف ليلاً في المسجد فلا .