يحدث كثيراً في مجتمعنا المحلي حيث إن أحد الأبناء يعمل مع والده في تجارته أو مصنعه أو مزرعته أو غير ذلك، ويكون لهذا الابن دور واضح في تنمية أموال أبيه دون بقية إخوته فما الواجب على الأب لكي يكون منصفاً مع ابنه الذي ساعده وعمل معه وأسهم في تنمية أمواله، إن الذي نراه في هذه المسألة أن الواجب على الوالد أن يقوم بواحد من ثلاثة أمور:

الأول: أن يعامل الابن في هذه الحالة معاملة الأجنبي بدون محاباة فيقدر لهذا الابن جهد أمثاله في عمل مشابه لعمل أبيه فيقوم اثنان أو أكثر من أهل الخبرة والمعرفة بتقدير جهد المثل للابن عن المدة التي اشتغلها مع أبيه وبالتالي يكون الابن شريكاً لأبيه في المحل التجاري حسب النسبة التي يقدرها أهل الخبرة كالربع أو الثلث أو غير ذلك وبناءً على ذلك إذا توفي الأب فإن حصة الأب من المحل التجاري تكون حقاً للورثة ويكون الابن الأكبر أحد الوارثين.

الثاني: أن يقدر أهل الخبرة والمعرفة للابن الذي عمل مع أبيه أجر المثل فيعامل مثل العامل الأجنبي فيعطى الابن أجراً مماثلاً لأجر عامل يقوم بمثل عمله، فيصرف له ذلك الأجر. وفي حال وفاة الأب كان الابن الذي عمل مع أبيه كغيره من الورثة.

الثالث: أن ينصف الأب ابنه الذي عمل معه بأن يخصه بعطية من المال تقابل عمل الابن معه بشرط أن تنفذ العطية حال حياة الأب ولا تكون مضافة لما بعد الموت، وهذا الأمر جائز شرعاً على قول جماعة من أهل العلم وغير مخالف لمبدأ العدل في العطايا والهبات للأبناء فقد قرر جماعة من الفقهاء جواز تخصيص أحد الأبناء بالهبة لسبب مشروع.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل … فإن خص بعضهم لمعنىً يقتضي تخصيصه‏،‏ مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى‏،‏ أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه‏،‏ أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها‏،‏ فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف‏:‏ لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل أو التخصيص على كل حال لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيراً في عطيته، والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر رضي الله عنه، ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية‏،‏ فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل‏:‏ لو علم بالحال لما قال‏:‏ ‏”‏ ألك ولد غيره‏؟‏ ‏”‏ قلنا‏:‏ يحتمل أن يكون السؤال ها هنا لبيان العلة‏،‏ كما قال عليه الصلاة والسلام للذي سأله عن بيع الرطب بالتمر‏:‏ ‏(‏أينقص الرطب إذا يبس‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏:‏ قال‏:‏ فلا إذا‏)‏ وقد علم أن الرطب ينقض لكن نبه السائل بهذا على علة المنع من البيع كذا ها هنا‏.‏ ] المغني 6/51-53.

وحديث أبي بكر الذي أشار إليه الشيخ ابن قدامة المقدسي هو ما رواه مسلم وغيره أن أبا بكر نحل عائشة جداد عشرين وسقاً دون سائر ولده.

[ وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل أعطى بعض أولاده شيئا ولم يعط الآخر؛ لكون الأول طائعا له: فهل له بر من أطاعه وحرمان من عصاه وحلف الذي لم يعطه بالطلاق أنه لا يكلم أباه إن لم يواسه: فهل له مخرج؟ وهل اليمين بالطلاق تجري مجرى الإيمان أم لا؟

فأجاب: على الرجل أن يعدل بين أولاده كما أمر الله ورسوله فقد ثبت في الصحيحين { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وقال: لا تشهدني على هذا فإني لا أشهد على جور وقال له: اردده } فرده بشير . وقال له على سبيل التهديد: { أشهد على هذا غيري }. لكن إذا خص أحدهما بسبب شرعي: مثل أن يكون محتاجاً مطيعاً لله والآخر غني عاص يستعين بالمال على المعصية فإذا أعطى من أمر الله بإعطائه ومنع من أمر الله بمنعه فقد أحسن.] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/295.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية:[ المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعداً أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه… ] فتاوى اللجنة الدائمة 16/193.

والقول بجواز تفضيل بعض الأولاد لمسوغ شرعي لا بأس به ولا يخالف الأدلة الواردة في وجوب العدل بين الأولاد في العطية .

-كالحديث الوارد عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح.

-وعن جابر رضي الله عنه قال: قالت امرأة بشير: انحل ابني غلاماً – عبداً – وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان – زوجته – سألتني أن أنحل ابنها غلامي. فقال عليه الصلاة والسلام: له أخوة ؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام : فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ قال: لا، قال عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق ) رواه مسلم.

-وعن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة – أم نعمان – لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: أعطيت سائر ولدك مثل هـذا ؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال فرجع فرد عطيته ) رواه البخاري.

-وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان ( لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال: نعم ، قال : أشهد على هذا غيري ) رواه أبو داود بسندٍ صحيح .

-وفي حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:( سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء ) رواه البيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن.
فهذه الأحاديث تحمل على التفضيل بين الأولاد لغير مسوغ شرعي أما إذا وجد مسوغ شرعي فلا حرج.
وخلاصة الأمر أن العدل يقتضي أن ينصف الأب ابنه الذي اشتغل معه دون إخوته بطريقة من الطرق التي ذكرناها سابقاً.