يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
مسألة الاستمداد من الصالحين في الحياة وبعد الممات مشتبهة، لا يتجلى الحق فيها إلا بيان حقيقة الاستمداد.

الاستمداد:طلب المدد، وهو ما يمد الشيء أي يزيد في مادته الحسية أو المعنوية، فمن طلب من مخلوق مددًا جسمًا؛ كالزيادة في ماله ورزقه، والنماء في زرعه بغير الأسباب التي جعلها الله شرعًا بين خلقه، فقد طلب ما لا يطلب إلا من الله تعالى، وهذا ينافي التوحيد؛ لأنه عبادة لغير الله تعالى.

ومن طلب من المخلوق مددًا معنويًّا فهو على نوعين:نوع يعد شركًا كطلب الزيادة في العمر، فإن هذا مما لا يطلب إلا من الله تعالى، فمن طلبه من غيره فقد أشركه معه، ونوع لا يعد شركًا؛ لأنه داخل في دائرة الأسباب، وهو ما يطلبه المتصوفون من أهل العلم بزيارة الصالحين وقربهم أو ذكر مناقبهم وسيرتهم، وتصور أحوالهم من الزيادة في حب الخير والصلاح والتقوى، ويعبرون عن هذه الزيادة التي يجدونها في نفوسهم بالبركة والمدد، ولكنهم لا يدعونهم من دون الله، ولا يفعلون ما لم يفعله السلف.

وإنما كان هذا ممّا لا بأس فيه لأهل، ولا حرج في طلبه بلسان الاستعداد وتوجه القلب – إن شاء الله تعالى – لأنه منتظم في سلك الأسباب، فإن الإنسان يتأثر بأحوال غيره إذا رآها أو تصورها أو سمعها، فإن كانت تلك الأحوال حسنة صالحة ازداد رغبة في الصلاح، وإن كانت بالضد زاد ميله إلى مثلها ، فالذين يعاشرون الظلمة المستبدين أو الفساق المستولغين تقوى في نفوسهم داعية الظلم أو الفسق والانغماس في الشهوات، وتصور وقائعهم وقراءة أخبارهم لا تخلو من مثل تأثير معاشرتهم، ولا سيما إذا كانت أخبارهم مكتوبة بمداد الثناء والتعظيم في قسم الظالمين، والاستحسان وتمثيل الغبطة ورغد العيش في قسم الفاسقين.

كل هذا مجرب معروف، وإنك لتجلس إلى الحزين الكئيب، فيسري إلى نفسك شيء من امتعاضه وكآبته، وتجلس إلى المغبوط المسرور فتجد في نفسك أثرًا من السرور وانشراح الصدر، وتعاشر أهل الجد والنشاط فينالك نصيب من نشاطهم وتعاشر أهل الخمول والكسل فيصيبك سهم من خمولهم، وقد رأينا أثر الخير والصلاح في أنفسنا من بركة بعض مشايخنا.