أولا :  حقيقة السحر وأنواعه، وحكم الساحر :-

السحر كما عرفه العلماء لغة ما خفي ولطف سببه، وكل شيء خفي سببه يسمى سحراً.

وأما شرعاً: فإنه ينقسم إلى قسمين:

الأول: عقد ورقي، أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن الله يقول: (وما هم بضارين به من أحد إلاّ بإذن الله).[البقرة:102].

الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور، وعقله، وإرادته، وميله، فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف. فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك. فينفر منها. ويؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك. وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه. وفي عقله، فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله.

فالسحر قسمان: شرك: وهو الأول الذي يكون بواسطة الشياطين يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور.   عدوان وفسق: وهو الثاني الذي بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها. ويفهم من كلام العلماء في هذا الموضوع: أن السحر إما كفر ويكون صاحبه مرتداً ويجب قتله. أو إثم عظيم وكبيرة من الكبائر يوقع صاحبه (الساحر) في غضب الله القهار. وأنه لا يقلب الأعيان إلى أعيان أخرى. كالحجر ينقلب شجراً. بل ذلك تخيل من المسحور وأنه يؤثر على المسحور من الضرر حتى القتل نسأل الله السلامة من شر الأشرار.

ثانيا : طرق الوقاية منه :-

الوقاية منه قبل وقوعه تكون بالإكثار من التعوذ بالمعوذات عند المساء والصباح، وعند التلاوة وافتتاح الصلاة والخروج من المسجد، وعند إتيان الأهل ودخول الخلاء وقراءة سورة البقرة، ولا سيما فواتحها وخواتيمها، وآية الكرسي والآيتان بعدها، والإتيان بمائة من: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وبقيام الليل، والمحافظة على الوضوء والصلاة في الجماعة. وراجع في أدلة هذه المسائل “الصارم البتار في التصدي للسحرة والأشرار” لـ وحيد عبد السلام بالي. كما أنه يقي منه بإذن الله تعالى التصبح بسبع تمرات عجوة، للحديث الثابت في الصحيحين: من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سُمّ ولا سحر.

ثالثا :- العلاج من السحر :-

وأما علاجه بعد وقوعه فيحصل بمعرفة مكانه فيستخرج ويتلف فيبطل معه السحر بإذن الله، كما عَمل النبي صلى الله عليه وسلم لما سَحَرَه يهود. وتحصل بالرقية الشرعية، كما تحصل باستعمال بعض الأدوية المباحة كالسدر وغير ذلك من الأدوية، كماء زمزم والعسل والحبة السوداء. وثبت عنه أنه قال: ماء زمزم لما شرب له رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. وقال: الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام رواه البخاري ومسلم. وقال تعالى في العسل: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ[النحل:69]. وللزيادة في الموضوع راجع كتاب “الصارم البتار” وكتاب “وقاية الإنسان من الجن والشيطان” لـ وحيد عبد السلام بالي وكتاب “فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين” لـ عبد الله الطيار.

ويكون العلاج كذلك بالقرآن ،فإن القرآن كله شفاء لقوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) [الإسراء 82] وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الاسترقاء بـ “قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقال: لم يتعوذ الناس بمثلهن،” رواه مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين ونفث. متفق عليه. والنفث: النفخ.
وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لما سحره اليهود.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمن رقى بالفاتحة “وما يدريك أنها رقية” رواه البخاري.
وأما قراءة آيات معينة في الماء وصبها على المسحور فقد ذكر ابن القيم أثراً في ذلك عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور والآيات هي قوله تعالى: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) [يونس81 ] وقوله: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الأعراف 118إلى120] وقوله (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه69] وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قائلاً: ثبت في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ماء في إناء وصبه على المريض، وبهذا يعلم أن التداوي بالقراءة في الماء وصبه على المريض ليس محذوراً من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة. انتهى كلام الشيخ.
والخلاصة أن الاسترقاء من السحر وكذا من العين ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، فيمكن أن يقرأ في الماء بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين وينفث فيه بها، لأن هذه السور ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصها بالقراءة في الرقية.
ويمكن أن يقرأها في الماء ويقرأ الآيات التي تقدمت أو غيرها من القرآن وترش به المحل. لحديث أبي داود المتقدم ولأن القرآن كله شفاء.