قبل الإجابة لابدَّ أن نعلم أن يوسف لم يهم بها بفاحشةً؛ لأنّها عرضت نفسَها عليه بالمراودة مع تهيئة لكل الأسباب لنيل غرضها وإغرائه وعمل كل ما يطمئنه على عدم مؤاخذته. فقال ” معاذَ الله ” والهَمُّ السَّيِّئ بها لم يحصل لأنه رأى برهان ربه، وفي هذا البرهان كلام كثير لا يستند إلى دليل صحيح، والأقرب إلى الفَهم أن الله ألهمَه أنّه لو هَمّ بها ضرْبًا لِمَنع نفسِه منها حيث جذبتْه بقوة لتنالَ غرضَها بعد أن فشلت المحاولة السلميّة لأدى ذلك إلى ارتكاب جناية عاقبتها الدنيويّة سيئة. فالبرهان إلهام من الله لإدراك العاقبة .
ويقرّب من هذا المعنى ما روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: أنّ ” زُليخا ” قامت إلى صنم مكلّل بالدُّرِّ والياقوت في زاوية البيت فسترتْه بثوب فقال: ما تَصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يَراني في هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله.
يقول القرطبي: وهذا أحسن ما قيل فيه؛ لأن فيه إقامة الدليل، ثم ذكر القرطبي آراء أخرى في البرهان، فقيل: رأى في سقف البيتِ مكتوبًا” ولا تَقْرَبوا الزِّنَى ” وقيل: ظهرت كفٌّ مكتوب عليها ” وإنَّ عَليكُمْ لحافِظينَ ” وقيل : تَذكَّر عهد الله وميثاقه، وقيل : رأى صورة يعقوب على الجُدران عاضًّا على إصبعه يتوعَّده، فسكن وخرجت شهوتُه من أنامله، وقيل غير ذلك.