هذا التفسير للسفهاء في الآية الكريمة بأن المراد بهم النساء خاصة، أو النساء والصبيان، تفسير مرجوح ضعيف، وإن نقل عن حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما – ولو صحت نسبته إليه، وإلى غيره من مفسري السلف.

والصواب الذي عليه جماهير الأمة أن تفسير الصحابي للقرآن الكريم ليس حجة في نفسه ملزمة لغيره، وليس له حكم الحديث المرفوع، كما زعم بعض المحدثين.
وإنما هو رأي واجتهاد من صاحبه يؤجر عليه وإن أخطأ فيه.
وقد نقل عن ابن عباس نفسه، وعن بعض أصحابه: “أن كل واحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- “.
ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس أن يعلمه الله التأويل، لا يعني منحه العصمة فيما يذهب إليه من تأويل، إنما معناه أن يوفقه إلى الصواب في جل تأويلاته لا في كلها.
ولا غرو أن كان لابن عباس آراء واجتهادات في التفسير وفي الفقه لم يوافقه عليها جمهور الصحابة، ثم جمهور الأمة من بعدهم.

وضعف التأويل الذي ذهب إليه ابن عباس ومن تبعه – أن المراد بالسفهاء النساء أو النساء والصبيان- يتضح من عدة جوانب:.
أولاً: أن ” السفهاء “جمع تكسير للمذكر، مفرده سفيه، وليس مفرده سفيهة، ولو كان مفرده سفيهة لجمع على فَعِلات أو فعائل، كما هو شأن جمع الإناث، فقيل: سفيهات أو سفهاء.
ثانيًا: أن “السفهاء” اسم ذم، لأن مضمونه خفة العقل، وسوء التصرف، ولهذا لا يذكر في القرآن إلا في معرض الذم، كما في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) (البقرة: 13)، (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها). (البقرة: 142).
وإذا كان لفظ “السفهاء” للذم، فكيف يذم الإنسان على ما لم يكتسبه؟ كيف تذم المرأة لأنها امرأة، وهي لم تخلق نفسها، بل خلقها بارئها؟ وقد قال تعالى: (بعضكم من بعض) (آل عمران: 195). وفي الحديث: “إنما النساء شقائق الرجال”. (أحمد بن حنبل 6/256، والبيهقي 1/168. وجاء في كنز العمال برقم “45559”).

ومثل هذا يقال في الصبيان، فالله هو الذي خلق الإنسان من ضعف، وجعل لحياته مراحل يتنقل فيها من طفولة إلى صبًا إلى شاب، إلى كهولة، فكيف يذم الصبي على صباه ولا كسب له فيه؟!.

ولو رجعنا إلى تفاسير المحْدَثين وجدناها كلها ترجح شيخ المفسرين الطبري، ففي تفسير المنار للسيد رشيد رضا:.
السفهاء هنا هم المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ويسيئون التصرف بإنمائها وتثميرها.
وذكر اختلاف السلف في المراد بالسفهاء هنا، ورجح ما اختاره ابن جرير: إنها عامة في كل سفيه من صغير وكبير ذكر وأنثى.

وقال الأستاذ الإمام:.
(أمرنا الله في الآيات السابقة بإيتاء اليتامى أموالهم، وبإيتاء النساء صدقاتهن، أي مهورهن، وأتى في قوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم…) بشرط للإيتاء يعم الأمرين السابقين، أي أعطوا كل يتيم ماله إذا بلغ، وكل امرأة صداقها، إلا إذا كان أحدهما سفيهًا لا يحسن التصرف في ماله، فحينئذ يمتنع أن تعطوه إياه لئلا يضيعه ويجب أن تحفظوه له أو يرشد. وإنما قال: (أموالكم) ولم يقل: أموالهم مع أن الخطاب للأولياء، والمال للسفهاء الذين في ولا يتهم للتنبيه على أمور:.

أحدها: أنه إذا ضاع هذا المال ولم يبق للسفيه من ماله ما ينفق عليه وجب على وليه أن ينفق عليه من مال نفسه، فبذلك تكون إضاعة مال السفيه مفضية إلى إضاعة شيء من مال الولي. فكأن ماله عين ماله.

ثانيهما: أن هؤلاء السفهاء إذا رشدوا وأموالهم محفوظة لهم وتصرفوا فيها تصرف الراشدين وأنفقوا منها في الوجوه الشرعية من المصالح العامة والخاصة فإنه يصيب هؤلاء الأولياء حظ منها.
ثالثها: التكافل في الأمة واعتبار مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين، كما قلناه في آيات أخرى). (انظر تفسير المنار 4/379، 380).