قال المفسرون: إن الرفع في الآية إما رفْع مكان وإما رفع مكانة، وقد رفع الله إدريس ـ عليه السلام ـ إلى السماء الرابعة كما قال كثير منهم، وقيل: إن الرفع هنا هو رفع منزلة وقدر وشرف. وكل الأنبياء مرفوعة منزلتهم.
وسبب الرفع لم يرد به خبر صحيح، وهي أقوال منسوبة لابن عباس وكعب الأحبار، ووهب بن منبه وغيرهم، منها أنه لمَّا أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذي يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفِّف عنه، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافئ إدريس، فجمع الله بينه وبينه، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أجله.
وقيل: طلب منه أن يريه الجنة فرفعه إلى الجنة ودفنت جثته في السماء الرابعة، وقيل غير ذلك.
وفي حديث الإسراء جاء في رواية مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجد إدريس في السماء الرابعة.
تحدث القرطبي في تفسيره ” ج 11 ص 119″ عن كلام ابن وهب في مقابلة مَلَك الموت لإدريس وإدخاله الجنة وأمر الله له أن يخرج منها، وقال: إنه حي هناك تارة يرتع في الجنة، وتارة يَعبد الله مع الملائكة في السماء. كما ذكر القرطبي أنه أول من خطَّ بالقلم وأول من خاط الثياب ولَبِسَ المَخيط، وأوَّل مَن نظر في علوم النجوم والحساب وسيرها، قال بعض المحققين: إنه نشأ ودعا إلى التوحيد في منطقة أسوان جنوبي مصر.
وذكر القسطلاني في المواهب اللدنية والزرقاني في شرحها “ج 6 ص 71” ما نقل عن كعب الأحبار أن إدريس تُوفِّي في السماء الرابعة ولم تكن له تربة في الأرض، وقال ابن المنير، اختُلف في إدريس هل رُفع إلى السماء بعد موته كغيره من الأنبياء، أو إنما رُفع حيًّا وهو إلى الآن حيٌّ كعيسى، وكل ذلك من الإسرائيليات والله أعلم بصحَّتها ولم يثْبُت رفْعه وهو حيٌّ من طريق مرفوعة قويَّة.
وجاء في “مشارق الأنوار للعدوي” ص 14 أن العلماء اختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت فقال قوم هو ميت، وقال قوم: هو حي، وقالوا: أربعة من الأنبياء أحياء، منهم في الأرض اثنان وهما الخَضر وإلياس عليهما السلام، واثنان في السماء وهما عيسى وإدريس، كما ذكره الخازن في تفسيره.
وكل هذه أخبار غير موثَّقة من قرآن أو حديث صحيح، ولا يَجب علينا أن نؤمن إلا بأن إدريس ـ عليه السلام ـ من الرُّسل وأن الله رفع منزلته، وما وراء ذلك من كونه في السماء الرابعة حيًّا أو ميتًا لا نُلزَم باعتقاده.