قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُواَ المسجدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: 28) وقال: (يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (النساء: 43).
تفيد الآية الأولى أن المشرِك لا يدخل المسجد الحرام في مكة؛ لأنه نجس وهذا رأي إمام أهل المدينة مالك وغيره، وعليه الإمام الشافعي، أما الكتابي ـ وهو اليهودي والنصراني ـ فلا مانع من دخوله.
والمراد بالمسجد الحرام الْحَرَمُ كله.

وقال أبو حنيفة بجواز دخول غير المسلم مطلقًا المسجد الحرام والْحَرَمَ، وحَمَلَ نجاسته على أنها نجاسة معنوية، وحمل قربان المسجد على المُكْثِ فيه، كما حمل دخول الحرم على الاستيطان، حيث لا يجتمع في جزيرة العرب دينانِ، كما في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب وغيره، وأخرجه أحمد عن عائشة.

أما مساجد الحِلِّ ـ أي غير الحرم ـ فمنع أهل المدينة دخولها لغير المسلم أيضًا؛ لأنه نجس بِنَصِّ القرآن؛ ولأن الآية الثانية تفيد أن الجُنُبَ لا يمكث في المسجد، وإنما يكون له العبور فقط، والكافر جنب فلا يجوز له المكث في أي مسجد. وفي الحديث “لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبَ” رواه أبو داود ويؤيد هذا ما رُوِىَ أن أبا موسى الأشعري دخل على عمر ـ رضي الله عنه ـ ومعه كتاب كَتَبَ فيه حساب عمله، فقال له عمر: ادْعُ الذي كتب ليقرأه، فقال: إنه لا يدخل المسجد؛ لأنه نَصْرَانِيٌّ، فَدَلَّ هذا على أنه كان حكمًا معروفًا لديهم، وهو رواية عن أحمد. وفي رواية عنه أيضًا أنه لا يجوز له الدخول إلا بإذن المسلمين، ويُؤيدها أن عليًا ـ رضي الله عنه ـ رأي مجوسيًا وهو على المنبر وقد دخل المسجد، فَنَزَلَ وضَربه وأخرجه من أبواب كِندة، فإن أذن له المسلمون جاز دخوله، بدليل أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنزل أهل الطائف في المسجد قبل أن يُسْلِمُوا، وقال سعيد بن المسيب، كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شِرْكِهِ، واستقبل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نصارى نجران في مسجد المدينة، ولما حان وقت صلاتهم صلوا في المسجد إلى المشرق، وقال فيهم عليه الصلاة والسلام “دَعُوهُمْ .

وقد ترجم البخاري في صحيحه دخول المشرك المسجد، وأورد حادثة ربْط ثُمامة بن أُثال بسارية من سواري المسجد النبوي، وكان ثمامة كافرًا من بني حنيفة، وعلى هذا الرأي أكثر الأئمة، وقَصَرَهُ الشافعي على الضرورة أو الحاجة، وليس بصفة مستمرة، ولعل هذا هو الرأي المناسب.
قال ابن حجر في فتح الباري “ج 2 ص 107” عن هذه المسألة فيه مذاهب، فعن الحنفية الجواز مطلقًا، وعن المالكية والمزنى المنع مطلقًا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره، للآية، وقيل: يُؤْذَنُ للكتابي خاصة، وحديث الباب يَرُدُّ عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب أهـ.
ورأى أنه لا مانع من دخول الزُّوَّارِ الأجانب غير المسلمين لمساجد المسلمين إذا كانوا في برنامج سياحي، أو لعمل هام، ما دام ذلك بإذن المسلمين، وفي ثورة 1919م دخل القمص سرجيوس الأزهر وخطب فيه خطبة سياسية على مشهد من علماء المسلمين. دون إِنْكَارٍ منهم، وذلك مُراعاةً للظروف، واختلاف الآراء فيه رحْمة.