ذهب جمهور الفقهاء إلى أن اتباع الجنازة سنة؛ لحديث البراء بن عازب –رضي الله عنه- قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المرضى)[1]. والأمر هنا للندب لا للوجوب.

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان، قال: مثل الجبلين العظيمين)[2]

واتباع الجنائز مع ما فيه من عظيم الأجر، فإنه فرصة طيبة لمحاسبة النفس، وتذكيرها بهذا المصير المحتوم،  فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة)[3].

واختلف الفقهاء في المشي أمام الجنازة أم خلفها أيهما أفضل؟

فجمهور الفقهاء –خلافا للحنفية- يرون أن المشي أمام الجنازة أفضل، وذهب أبو حنيفة إلى أن المشي خلف الجنازة أفضل، والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء للحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك –رضي الله عنه-  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة)[4].

أما الأحناف فقد استدلوا في تفضيل المشي خلف الجنازة بحديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجنازة متبوعة وليست بتابعة، ليس منها من تقدمها)، والحديث رواه الترمذي وابن ماجه، والحديث ضعفه الشيخ الألباني، ضعيف الجامع حديث رقم 2663.

ومع هذا نقول: لا يجوز الإنكار في مثل هذا الأمر ، فالأمر فيه سعة، فمن سار خلف الجنازة فهو مأجور، ومن تقدمها فهو مأجور، المهم حضور القلب، وتحصيل العظة والعبرة.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة:

مسألة ؛ قال : ” والمشي أمامها أفضل ” أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة، روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وأبي هريرة والحسن بن علي، وابن الزبير، وأبي قتادة، وأبي أسيد، وعبيد بن عمير، وشريح، والقاسم بن محمد، وسالم، والزهري، ومالك، والشافعي.

وقال الأوزاعي، وأصحاب الرأي: المشي خلفها أفضل ؛ لما روى ابن مسعود،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {الجنازة متبوعة، ولا تتبع، ليس منها من تقدمها} .

وقال علي رضي الله عنه : { فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي قدامها، كفضل المكتوبة على التطوع، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم } . ولأنها متبوعة فيجب أن تقدم كالإمام في الصلاة، ولهذا قال في الحديث الصحيح : ” من تبع جنازة “.

ولنا، ما روى ابن عمر، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر يمشون أمام الجنازة . رواه أبو داود، والترمذي.

وعن أنس نحوه، رواه ابن ماجه . وقال ابن المنذر : ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، كانوا يمشون أمام الجنازة .

وقال أبو صالح : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون أمام الجنازة؛ ولأنهم شفعاء له، بدليل قوله عليه السلام : { ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين، يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه}. رواه مسلم . والشفيع يتقدم المشفوع له، وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد، وهو مجهول، قيل ليحيى : من أبو ماجد هذا ؟ قال : طائر طار . قال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث.

والحديث الآخر لم يذكره أصحاب السنن، وقالوا : هو ضعيف . ثم نحمله على من تقدمها إلى موضع الصلاة أو الدفن، ولم يكن معها . وقياسهم يبطل بسنة الصبح والظهر، فإنها تابعة لهما، وتتقدمهما في الوجود. انتهى..

[1] – متفق عليه

[2] – متفق عليه.

[3] – رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح أحكام الجنائز 67 .

[4]- رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.