الأقارب هنا قسمانِ، قسم تجب على الإنسان نَفَقَتُهُ كالأبوين والأولاد والزوجة وقِسْمٌ لاتجب عليه نفقته، كالعم والخال والعمة والخالة.
وقد اتفق الفقهاء على جواز إعطاء الزكاة للقسم الثاني، بل هم أَوْلَى بها من غيرهم، لأنها تكون زكاة وصِلَةَ رَحِمٍ في وقت واحد كما رواه أحمد وابن ماجة والنسائي والترمذي وحَسَّنَهُ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “الصدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذى الرحم ثِنْتَانِ، صدقةٌ وصِلَةٌ”.
أما القسم الأول: وهو من تجب عليه نفقته فالإجماع على أنه لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة، لأن المفروض في المُزَكِّي أن يُنفق عليهم النفقة الكافية التي لا تجعلهم فقراء ولا مساكين يستحقون الزكاة والمزكي عنده مال كثير زائد عن حاجته و حاجة مَنْ يعولهم فهم في غير حاجة إلى الزكاة. فالولدان لا يجوز إعطاء الزكاة لهما، وكذلك الأولاد الصغار أو البالغون إذا كانوا قادرين على الكسب، فإن قدروا على الكسب فلا تجوز الزكاة لهم.
وكذلك الزوجة نفقتها واجبة على الزوج فلا يُعطيها من زكاته، لأنه لو أعطى هؤلاء الذين تجب عليه نفقتهم فهو يعطي نفسه، لأن الزكاة ستخفف من عِبْءِ النفقة الواجبة عليه. رَوَى الأثرم في سننه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما قال: إذا كان ذو قرابَةٍ لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك، وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لِمَنْ تعول “نيل الأوطار للشوكاني ج 4 ص 189”.
والشوكاني يرى جواز إعطاء الزكاة للقريب، بصرف النظر عن كون نفقته واجبة على المُزَكِّي أو غير واجبة، مستندًا إلى حديث البخاري ومسلم في شأن زينب امراة عبد الله بن مسعود الثقفي وشأن امرأةٍ معها، حيث سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم : أتجزى الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتامٍ فى حُجُورِهما؟ فقال “لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة” وفي رواية البخاري عن أبي سعيد “زوجك وولدك أَحَقُّ مَنْ تصدقت عليهم”.
يقول الشوكاني في وجه الاستدلال إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستفصل عن الصدقة إن كانت واجبة أو تطوعًا، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال يَنزل منزلة العموم في المقال، والأصل عدم المانع، فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعانِ من إجراء الزكاة فعليه الدليل، ولا دليل.
وقد أجاز الشوكاني ذلك لأن الأم لا يلزمها أن تنفق على ابنها مع وجود أبيه، لكن قد يقال: إن الأيتام ربما لا يكونون أولادها فتصح الزكاة عليهم.
وقد روى عن مالك أن الممنوع من أخذ الزكاة هم الأب والأم والأولاد، أما الجَدُّ والجدة ومَنْ عَلا، بنو الْبَنِينَ ومَنْ نَزَلَ فيجوز صرف الزكاة إليهم، أما غير الأصول والفروع ممن تجب نفقتهم ـ كالزوج والزوجة ـ فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يجزئ صرف الزكاة إليهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وأصحابه يجوز ويجزئ، وذلك لعموم الدليل في التصدق على الأقارب، حيث لم يفصل بين قرابة وقرابة، ولا بين وجوب النفقة وعدم وجوبها، كما وضحه الشوكاني.
وهذا كله في الصدقة الواجبة كالزكاة، أما صدقة التطوع فالأقارب بوجه عام أولى بها كما سبق ذكره، ومما يُرَغِّبُ في ذلك أيضًا حديث رواه مسلم “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ـ يعني تحرير رقبة من الرِّقِّ ـ ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك” وجاء في تفسير القرطبي ” ج 8 ص 190″ جواز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير بناءً على حديث زينب الثقفيَّة، حتى لوكان يستعين بها على النفقة عليها كما كان يفعل ابن حبيب، وقال أبو حنيفة لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا يجوز، وذهب الشافعي وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك إذا لم يصرفه إليها فيما يلزمه لها، وإنما يصرف ما يأخذه منها في نفقته وكسوته على نفسه ، وينفق عليها ماله
وفي الفتاوى الإسلامية “مجلد 1 ص 115” لو دفع الزكاة إلى مَنْ تجب نفقته عليه جاز إذا لم يحسبها من النفقة، وذلك في غير الزوجة والأصول والفروع، كما وضحتها فتوى في المجلد الخامس ص 1799.