ليس القرآن الكريم كتاب تاريخ تذكر فيها الأحداث بمكانها وزمانها، ولكن الله يسوق لنا هذا القصص للعبرة وأخذ الدروس والإفادة منه في واقعنا ومستقبلنا، ولعل العين الحمئة التي غربت فيها الشمس فيما يرى الرائي أو ينظر الناظر إلى الشمس، فكأنها تغيب في هذا الماء العكر، أما عن القوم الذين قابلهم ذو القرنين فلم يذكر القرآن شيئا عنهم ولا جدوى من البحث عن كنههم .

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

جاءت قصة ذي القرنين في سورة الكهف من القرآن الكريم ولم يحدثنا القرآن الكريم عن ذي القرنين من هو ؟ ولا عن تفاصيل قصته: أين ذهب بالضبط، مغربًا ومشرقًا، ومن هم الأقوام الذين ذهب إليهم ؟.

لم يحدثنا القرآن عن ذلك، كما أن أكثر ما ورد في سورة الكهف، ورد أيضًا بدون تحديد أسماء ولا تفاصيل، وذلك لحكمة يعلمها الله عز وجل.

إن القصد من القصص القرآني، سواء في سورة الكهف أم في غيرها، ليس إعطاء تاريخ وحوادث تاريخية، وإنما القصد هو العبرة، كما قال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب).
هنا ذو القرنين، قصته فيها عبرة: ملك صالح، مكَّنه الله في الأرض، وآتاه من كل شيء سببًا، ومع هذا لم يطغه الملك . بلغ المغرب، وبلغ المشرق، فتح الفتوح، ودان له الناس، ودانت له البلاد والعباد، ومع هذا لم ينحرف عن العدل، بل ظل مقيمًا لحدود الله، كما قال لهؤلاء القوم: (أما من ظلم فسوف نعذبه، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرًا . وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاء الحسنى). (الكهف: 87).

أما من هم هؤلاء القوم، فالقرآن لم يعرفنا عنهم شيئًا، ولو كان في معرفتهم فائدة دينية أو دنيوية، لعرفنا ولهدانا إلى ذلك.
كذلك، أين غربت الشمس ؟ لم يعرفنا القرآن، وكل ما نعلمه أن ذا القرنين اتجه إلى جهة الغرب، حتى وصل إلى أقصى مكان في الغرب، وهناك وجد الشمس في رأي العين كأنما تغرب في عين حَمِئة . والحمأ هو الطين المتغير . فكأنما وجد الشمس تسقط في تلك العين الحمئة .. ولو وقف أحدنا عند الغروب على شاطئ البحر، لوجد الشمس كأنما تسقط في البحر أو تغرب فيه، مع أن الحقيقة غير ذلك . فهي تغرب عن قوم لتشرق عند آخرين.

فالمقصود إذن في الآية (وجدها تغرب في عين حمئة) أي فيما يرى الرائي، وينظر الناظر.
ولعل ذا القرنين وصل إلى مكان يتصل فيه النهر بالبحر عند الفيضان كالنيل مثلاً حيث يكون ماؤه معكرًا يحمل الطين، فإذا غربت الشمس تبدو للناظر كأنها تغرب في عين حمئة .. أو لعلها بركة فيها طين .. لم يحددها القرآن بالضبط، وإنما المقصود أنه ذهب إلى أقصى المغرب . كما ذهب إلى أقصى المشرق . وذهب إلى قوم يأجوج ومأجوج، ومع كل هذا ظل على عدله، وعلى إيمانه بربه، واعترافه بفضل الله عليه، في كل ما يفعله، أقام السد العظيم من زبر الحديد، وغيره، ثم قال: (هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا ..). (الكهف: 98).

هذا هو المقصود، وتلك هي العبرة … ملك صالح، مكن له في الأرض ومع هذا لم يطغ ولم يتجبر ولم ينحرف.
أما التفصيلات، فلم يعن القرآن بها، كما أن السنة لم تبين لنا شيئًا من تلك التفصيلات كالزمان، والمكان، والأقوام .. وليس في ذلك فائدة مطلوبة، ولو كان فيها الفائدة لذكرها القرآن الكريم.
وإنه لجدير بنا أن نقف عند الذي جاء به القرآن، والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.