الصوم كسائر التكاليف لا يجِب على المسلم إلا عند البلوغ، وذلك لحديث “رُفِع القلم عن ثلاث ، عن الصَّبِيِّ حتى يبلُغَ، وعن النّائم حتّى يَستيقظَ ، وعن المَجنون حتّى يَفيق” روه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه، ولكن بعض العلماء أوجب على الصَّبِيِّ إذا بلغ عشرًا أن يصوم، وذلك لحديث “إذا أطاقَ الغُلام صيام ثلاثة أيّام وجب عليه صيام شهر رمضان” رواه ابن جريج، “المغني لابن قدامة ج 3 ص 16” وكذلك قياسًا على الصلاة التي أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بضَرب الغُلام عليها إذا بلغ عشرًا، لكنَّ الرأي الأول هو الصحيح، وهو عدم وجوب الصوم إلا بالبلوغ.
ومن هو دون العَشر ليس هناك خِلاف في عدم وجوب شيء عليه من صلاة وصيام وغيرهماـ إلا ما قيل في الزكاة وسنُبيِّنه في مَوضِعه ـ ولكن مع ذلك يُستحبُّ أن يُمَرَّنَ على العبادات؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرَنا أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، كما رواه أبو داود بإسناد حسن. وكان الصحابة يمرِّونون أولادهم على الصيام أيضا، روى البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت معوِّذ بن عَفراء أنّهم كانوا يصومون عاشوراء ، ويصومون صِبيانهم الصّغار، ويذهبون بهم إلى المسجد، ويجعلون لهم اللّعبة من الصوف، فإذا بكى أحدُهم من أجل الطَّعام أعطوه إيّاها حتّى يَحين وقتُ الإفطار.
وكل هذا في الأولاد الذين يُطيقون الصيام، أما مَن كان بهم مرض أو صحّتهم ضعيفة يَزيدها الصوم ضعفًا فليس على الآباء والأمهات أن يأمروهم بالصيام، لكن لا ينبغي أيضا أن يَنهَوْهم عنه، بل يتركونهم يجرِّبون ذلك بأنفسهم، فإن أطاقوا استمرّوا، وإلا فإنهم سيتركونه باختيارهم. وعلى الآباء والأمّهات أن يَمدحوا في أولادِهم عزمهم على الصيام وأن يبيّنوا لهم حكمة تشريعه بلباقة وكياسة، وسيكون استمرارُهم في هذه التجرِبة أو عدولهم عنها باقتناع، وهذا منهج تربويّ سليم.