في هذا خلاف بين العلماء، والذي رجحه الحنابلة أنه تجب كفارة واحدة.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة، إن قال : والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا. فحنث، فليس عليه إلا كفارة واحدة.

روي نحو هذا عن ابن عمر . وبه قال الحسن، وعروة، وإسحاق. وروي أيضا عن عطاء، وعكرمة، والنخعي، وحماد، والأوزاعي. وقال أبو عبيد، فيمن قال : علي عهد الله وميثاقه وكفالته. ثم حنث : فعليه ثلاث كفارات.

وقال أصحاب الرأي : عليه بكل يمين كفارة، إلا أن يريد التأكيد والتفهيم. ونحوه عن الثوري، وأبي ثور . وعن الشافعي قولان، كالمذهبين. وعن عمرو بن دينار، إن كان في مجلس واحد كقولنا، وإن كان في مجالس كقولهم . واحتجوا بأن أسباب الكفارات تكررت، فتكرر الكفارات، كالقتل لآدمي، وصيد حرمي. ولأن اليمين الثانية مثل الأولى، فتقتضي ما تقتضيه. ولنا أنه حنث واحد أوجب جنسا واحدا من الكفارات، فلم يجب به أكثر من كفارة كما لو قصد التأكيد والتفهيم.

وقولهم : إنها أسباب تكررت. لا نسلمه؛ فإن السبب الحنث، وهو واحد، وإن سلمنا، فينتقض بما إذا تكرر الوطء في رمضان في أيام، وبالحدود إذا تكررت أسبابها، فإنها كفارات، وبما إذا قصد التأكيد , ولا يصح القياس على الصيد الحرمي،؛ لأن الكفارة بدل، ولذلك تزداد بكبر الصيد، وتتقدر بقدره، فهي كدية القتيل، ولا على كفارة قتل الآدمي؛ لأنها أجريت مجرى البدل أيضا لحق الله تعالى، لأنه لما أتلف آدميا عابدا لله تعالى، ناسب أن يوجد عبدا يقوم مقامه في العبادة، فلما عجز عن الإيجاد، لزمه إعتاق رقبة؛ لأن العتق إيجاد للعبد بتخليصه من رق العبودية وشغلها، إلى فراغ البال للعبادة بالحرية التي حصلت بالإعتاق. ثم الفرق ظاهر، وهو أن السبب هاهنا تكرر بكماله وشروطه، وفي محل النزاع لم يوجد ذلك؛ لأن الحنث إما أن يكون هو السبب، أو جزءا منه، أو شرطا له، بدليل توقف الحكم على وجوده، وأيا ما كان، فلم يتكرر، فلم يجز الإلحاق ثم، وإن صح القياس، فقياس كفارة اليمين على مثلها، أولى من قياسها على القتل؛ لبعد ما بينهما.