يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

نشرت مجلة الأزهر في المجلد الخامس صفحة 243 إجابة للمرحوم الشيخ يوسف الدِّجوي عن الأسماك المحفوظة بالتَّمْلِيح جاء فيها ، مع زيادة للتوضيح:
إن السمك لا شك في طهارته حيًّا أو ميتًا لحديث “أُحِلَّت لنا ميْتتان ودَمَان: السمك والجراد والكَبِد والطُّحال” رواه أحمد والشافعي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني، وهو ضعيف، وصحح الإمام أحمد وَقْفَه على ابن عمر، كما قاله أبو زَرْعة وأبو حاتم، ومثل هذا له حُكم المرفوع؛ لأن قول الصحابي: أُحِلَّ لنا كذا وحُرِّم علينا كذا، مثل قوله أُمرنا ونُهينا. ولحديث الخمسة أي أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وقد سُئل الرسول عن الوضوء بماء البَحْرِ فقال “هو الطَّهور ماؤه الحِلُّ ميْتته ” .
لكن الدمَ المسْفوح نجس، وهو السَّائل عن مقرِّه في حالِ الحياة بنحو الفَصْد، أو بعد الموت ولو بعد التذكية الشرعية من سائر الحيوانات ولو من السمك، خلافًا للقابسي وابن العربي، حيث قالا: إن الدَّم المسفوح من السَّمك طاهر .
فالسمك إذا مُلِّح ووُضِع بعضه على بعض صار فَسيخًا، فإن لم يتحَلَّل منه دمٌ مسفوح كان طاهرًا وحَلَّ أكله، أما إن خرج منه دم مسفوح بواسطة الضغط عليه بمِثقل مثلاً فقد صار نجسًا لا يحلُّ منه إلا الصفُّ الأعلى، مع غسله قبل أكله، أما الطبقات السُّفلى فلا يحلُّ أكلها على القول المشهور، وذلك لنجاستها بمرور الدم عليها وعدم إمكان تطهيرها لامتزاجها بالدم. ويحِل أكل جميعه على رأي القابسي وابن العربي، وعلى المشهور إن شكَّ في كونه من الصف الأعلى أو غيره جاز أكله؛ لأن الطعام لا يُطْرَحُ بالشك .
هذا هو حكم الفسيخ على مذهب الإمام مالك، ومذهب الحنفية أن السمك لا دمَ له، فإذا ملِّح حتى صار فسيخًا حلَّ أكله، سواء أكان من الصف الأعلى أم من غيره، وذلك كلُّه ما لم يُخش ضرره، وإلا حُرِّم أكله من أجل الضرر لا من أجل النجاسة  أ.هـ
بعد هذا العرض يكون أكل الفسيخ حلالاً عند الأحناف وبعض المالكية، فليست الحُرْمَة متفَقًا عليها، والدِّين يُسْر، وذلك بشرط عدم الضرر من أكله، ويختم الشيخ الدِّجوي كلامه بقوله: والوَرَع تركُه. أ.هـ

ويقول الدرديري – رضي الله عنه – من شيوخ المالكية :” الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت ، والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه ، وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الزكاة الشرعية ، فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك ” . وإلى هذا ذهب الأحناف والحنابلة وبعض علماء المالكية .