يقول الله سبحانه: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وتَقولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ) (سورة ق : 30) المفسِّرون فريقان في قول جهنم “هل من مَزيد” ففريق يقول: المَعنى ليس هناك مكان لزيادة أحد على مَن هم فيها، فقد امتلأت، كقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رُوِيَ عنه “هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل” يعني ما ترك. فمعنى الكلام النفي، وفريق يقول: المعنى هل هناك أحد يُزاد على من فيها، ففيها متّسع لمَن يُلْقَى فيها؟ وعلى كلام المعنيين يصحُّ أن يُنطق الله النار فتقول هذا الكلام ويصح أن يراد بذلك التشبيه فقط، يعني كأنها تقول ذلك. والمعنى الأول أصح.

ثم جاء في صحيحي البخاري ومسلم أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول: هل من مَزيد حتّى يضعَ ربُّ العِزّة فيها قدمَه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، بعزِّتك وكرمِك، ولا يزال في الجنة فضل حتى يُنشئ الله لها خلقًا فيسكِّنهم فضل الجنة، وفي رواية “وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رِجلَه يقول لها، قط قط، فهناك تمتلئ، وينزوي بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنّة فإن الله يُنشئ لها خلقًا” فتقول: “قط قط” في الرّواية الأولى من جهنم، وفي الرواية الثانية من الله.

يقول القرطبي: القَدَم هنا قوم يقدِّمهم الله إلى النار، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار، وكذلك الرِّجل وهو العدد الكبير من الناس، وغيرهم، ويبيّن هذا المعنى ما روى عن ابن مسعود أنه قال: ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مِقْمَع ولا تابوت ـ وهي أدوات التعذيب ـ إلا وعليه اسم صاحبه، فكُلّ واحد من الخَزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرَف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره، ولم يبقَ منهم أحد قال الخزنة: قَطْ قَطْ، حَسْبُنا حَسْبُنا. أي اكتفيْنا اكتفيْنا. وحِينَئِذٍ تَنْزَوِي جَهَنمُ علَى مَن فيها وتَنطَبق؛ إذ لَم يَبقَ أحَدٌ يَنْتَظر فعَبَّرَ عن ذلك الجمع المنتظر بالرِّجل والقدم.

لكن قال بعض العلماء: إن معنى وضع الله رجله أو قدمه في النار إخضاعها وإسكاتها، حتى لا تطلب زيادة على مَن فيها، كمن يُريد أن يعبّر عن قهْره وانتصاره على عدوه فيقول: وضعته تحت قدمي، وليس لله ـ سبحانه ـ قَدم ولا رجل كما هو معهود للمخلوقات، فليس كمثلِه شيء، وإذا سكتت النار عن طلب المَزيد بعث الله بخلقه ليسكِّنهم المنازل في الجنّة، وهذا دليل على سَعة رحمة الله تعالى.

وخلاصة الكلام في القدم أنّه من المُتشابه الذي يؤمِن به السلف، فالله له قَدَم ورِجل ويدٌ وعَين وإِصبع كما ورد في القرآن والسُّنة، لكن هذه الأشياء ليست كالمعهودة في المخلوقات، أما الخلف فينفُون أنّ لله أعضاء بالمعنى الحقيقي، والمُراد منها لازِمُها، فالتعبير مجازي والمراد القوّة والعِناية والرّعاية والعلم.