لإفطار لم يكن في بداية الأمر حتى العشاء فقط، بل كان حتى ينام أحدهم ، فإذا نام لا يحل له الأكل ولا الجماع لو استيقظ ليلا، ثم جاء التخفيف وأبيح الأكل والشرب والجماع حتى الفجر.
قال القرطبي في تفسيره :
قوله تعالى : أحل لكم لفظ احل يقتضي أنه كان محرماً قبل ذلك ثم نسخ . روى أبو داود عن ابن ابي ليلى قال وحدثنا اصحابنا قال : وكان الرجل إذا افطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح ، قال : فجاء عمر فأراد امرأته فقالت: إني قد نمت ، فظن أنها تعتل فأتاها . فجاء رجل من الأنصار فأراد طعاماً فقالوا : حتى نسخن لك شيئاً فنام ، فلما أصبحوا أنزلت هذه الآية ، وفيها أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم. وروى البخاري عن البراء قال :
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمشي ، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً ـ وفي رواية : كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائماً ـ فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت لا ، لكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ! فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا فرحاً شديداً ، ونزلت : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. وفي البخاري أيضاً عن البراء قال :
لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، وكان رجال يخونون انفسهم ، فأنزل الله تعالى : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم. يقال : خان واختان بمعنى من الخيانة ، أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم . ومن عصي الله فقد خان نفسه إذ جلب اليها العقاب . وقال القتبي : اصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه . وذكر الطبري:
أن عمر رضي الله تعالى عنه رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له : قد نمت ، فقال لها : ما نمت ، فوقع بها . وصنع كعب بن مالك مثله ، فغدا عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعتذر إلى الله وإليك ، فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي ، فهل تجد لي من رخصة ؟ فقال لي :لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن. وذكره النحاس و مكي ، وأن عمر نام ثم وقع بامرأته ، وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن الآية . (انتهى)

وأما الحكمة فلعلها تعويد المسلمين على قوة التحمل ، وتصفية نفوسهم من أمور يعلمها الله ليكونوا أهلا لحمل أعباء الدعوة في بداية عهدها ، كما كان الشأن في قيام الليل، حيث فرض على الصحابة سنة ثم أصبح تطوعا وبقيت فرضيته في حق الرسول صلى الله عليه وسلم.