الاستذكار والامتحان ليس عذرًا يبيح الفطر، إلا أن يَغْلِب على ظن أحد هؤلاء الطلاب أنه لا يستطيع أداء الامتحان مع الصوم لبلوغه حدًّا من الإعياء يُضِرُّ به وهو مضطرّ لأداء الامتحان في وقته المحدد له اضطرار الفقير إلى عيشه، وفي تركه مضرة له، فيباح له الفطر وعليه القضاء في أيام أخر، أما إذا استطاع أداء الامتحان مع الصوم دون أن يلحقه مرض أو إعياء ضار به فإنه يجب عليه الصوم ويُحَرَّم عليه الفطر.

يقول الشيخ حسنين مخلوف شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-:

إن الامتحان في ذاته ليس عذرًا يبيح الفطر، وكم أَدَّاهُ ناس وهُمْ صِيَام! إذ أنه يَقَع عادة في غُدْوَة النهار وينتهي في منتصفه تقريبًا، وكذلك الاستذكار فإنه يكون عادة في الليل بعد الإفطار، والمَسْنُون في الأكل في سائر الأيام فضلًا عن أيام الصوم الاعتدالُ والتوسط حتى لا تَحْدُث للآكل بِطْنَة وتُخَمَة تَعُوقُه عن مواصلة العمل بسهولة. والامتحان والاستذكار دُونَ أعمال كثيرة يقوم بها الصائمون بدون أن يَجِدُوا مَشَقَّة أو يَمْسَسْهم سوء.

ولكن هناك حالتان:

الأولى: أن يَغْلِب على ظن أحد هؤلاء الطلاب وهو صحيح مُقِيم خَوْفُ المرض إذا صام مع أداء الامتحان، إما بأمارة ظهرت وإما بتجربة وَقَعَت وإما بإخبار طبيب مسلم حاذق (لا مجرد التوهم والتخيل) ففي هذه الحالة يُبَاح له الفطر شرعًا.

ففي شرح الدر وحواشيه “أن الصحيح إذا خاف على نفسه المرض إذا صام بطريق من الطرق المذكورة يباح له الفطر وأنه مثل المريض الذي يخاف بإحدى هذه الطرق زيادة المرض أو إبطاء البرء. فالذاهب لِسَدِّ النهر أو كَرْيِهِ (حَفْرِه) إذا اشتد الحَرُّ وخاف الهلاك يجوز له الفطر، والحامل إذا خافت على نفسها أو على الجنين، والمرضع إذا خافت على نفسها أو على الرضيع يباح لهما الفطر شرعًا، وعليهما القضاء في أيام أُخَرَ ليس فيها هذا العذر”.

الحالة الثانية: أن يُجهدَه العمل ويَشُقَّ عليه بحيث لا يستطيع أداء الصوم وإن لم يَخْشَ منه المرض، والحال أنه لابد له مِن أدائه لضرورة العيش، فالظاهر أنه يُبَاح له الفطر في هذه الحالة أخذًا مما استظهره العلامة ابن عابدين في المحترف الذي ليس عنده ما يكفيه وعياله، ولابد له من العمل لضرورة المعيشة والصوم يُضْعِفُه، من أنه يُبَاح له الفطر إذا لم يمكنه مباشرة عمل لا يُؤَدِّيه إلى الفطر، وكذلك في الزَّارِع الذي يخاف على زرعه الهلاك أو السرقة ولا يجد من يعمل له بِأُجْرَة المثل وهو يقدر عليها؛ لأن له قطع الصلاة لأقل من ذلك صيانة لماله، فالفطر أولى.

وظاهر أن مبنى ذلك تقدير الضرورة (الواقعية الصحيحة لا الوهمية والخيالية) إذ الطالب الذي لا يستطيع أداء الامتحان مع الصوم لبلوغه حدًّا من الإعياء يُضِرُّ به مضطر لأداء الامتحان اضطرار الفقير إلى عيشه، ولابد له منه في وقته المحدد له، وفي تركه فيه مضرة له، فيباح له الفطر وعليه القضاء في أيام أخر ، أما إذا استطاع أداء الامتحان مع الصوم بدون أن يلحقه مرض أو إعياء ضار به فإنه يجب عليه الصوم ويُحَرَّم عليه الفطر.

وقد نصوا على أن الحَصَّادَ إذا لم يقدر على الحَصَاد مع الصوم وكان يَهْلَك الزرع بتأخيره يجوز له الفطر، وكذلك الخباز، وعليهما القضاء، ومثلهما عمال المناجم والغواصون والحجارون وسائقو القطارات وأشباههم.

ومما يجب أن يُعْلَم أن فريضة الصوم محكَمة والثواب مقطوع به لمن أحسنه، وأن رخصة الفطر مِنْحَة من الشارع لأرباب الأعذار حقيقة، لا وهمًا وخيالًا ولا مغالطةً واحتيالًا، والاحتيال على الفطر فرارًا من الصوم لا يَخْفَى على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وكل امرئ بما كسب رهين، وهو أدرى بحاله وانطباق الحكم عليه.

وأجدر الناس بالطاعة والامتثال والصبر والاحتمال من يرجو من الله ـ سبحانه ـ أن ينير بصيرته ويلهمه الصواب ويُوَفِّقه للسَّدَاد ويفتح له المغاليق وييسر له الصعاب، وكيف يستقيم أن يَعصيَه ويترك فريضته بلا عذر يُسوِّغُه في الوقت الذي يَبْسُط إليه فيه يد الرجاء ويبتهل إليه بالدعاء ويستمد منه العَوْن والإلهام، وهو الفتاح العليم.