الاستمناء في ليل رمضان لا يؤثر على الصيام، ولكن الأصل في الاستمناء الحرمة ، ولم يبحه بعض الفقهاء عند غلبة ظن الإنسان في وقوعه في الفاحشة، أخذًا بقاعدة أخف الضررين ،ولكن يبقى بعد ذلك على الأصل الذي هو الحرمة .

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى :

أكثر الفقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية قرَّروا حرمة الاستمناء باليد‏،‏ وفي مقدِّمتهم الفقهاء الشافعية والمالكية‏.‏
ومستندهم الأول في ذلك قول الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏والَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حافِظونَ‏.‏ إلاّ عَلى أزْواجِهِم أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُم فَإنَّهُم غَيْرُ مَلومينَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 23/5 ـ 6‏]‏‏.‏
قالوا‏:‏ فإن مقتضى هذا الحصر الذي تنطق به الآية‏،‏ حرمة ممارسة المتعة الجنسية إلا بين الزوجين‏،‏ وما يلحق بهما من ملك اليمين‏،‏ وضمن الحدود المقررة‏.‏
غير أن الإمام أحمد أفتى به‏،‏ عند الحاجة‏.‏ انظر ‏(‏الجامع لأحكام القرآن للقرطبي‏:‏ 12/105‏،‏ وأحكام القرآن لأبي بكر بن العربي‏:‏ 3/1298‏)‏‏.‏
ولعلَّ مستنده ومستند من قال بجوازه عند الحاجة ما يروى أن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا سأله الشّاب عن الاستمناء يقول‏:‏ نكاح الأمة خير منه‏،‏ وهو خير من الزِّنا‏.‏ وجاءه مرة شابّ فقال‏:‏ إني أجد غُلْمةً شديدة فأدلك ذكري حتى أُنْزِلَ‏.‏ فقال‏:‏ هو خير من الزِّنا‏.‏ أما حديث‏:‏ ‏(‏‏(‏ناكح اليد ملعون‏)‏‏)‏ فباطل لا أصل له‏.‏
والذي يبدو أن الخلاف في هذه المسألة لفظي‏.‏ فإن الذين قالوا بالحرمة لعلهم إنما كانوا يقصدون عموم الأحوال‏،‏ أي بقطع النظر عن وجود حاجة أو ضرورة تُلْجئُ إلى ذلك‏.‏ وأما الذين قالوا بالجواز فإنما قصدوا الحالات التي يقع فيها الشّاب بين اللجوء إلى هذا العمل والوقوع في الزِّنا‏.‏
ولا شكَّ أن كلا الموقفين ينبثقان من أساس ومنطلق واحد في الحكم‏.‏
وخلاصته أن الاستمناء عمل شاذّ‏،‏ لا يتَّفق والفطرة الإنسانية التي جعلت من الغريزة الجنسية وظيفة ذات هدف جليل في حياة الإنسان‏.‏ ومن أوضح الأدلة على أنه عمل شاذّ فعلاً وخارج عن النَّهج الوظيفي المرسوم‏،‏ أن الذي يقع في أسر هذه العادة ينتابه شعور خفيّ بالتّأنيب والتّقريع والإحساس بالنقص والخروج عن اللياقة والنَّهج السّوي‏.‏‏.‏
غير أن الشّاب إذا وجد نفسه متعرِّضاً لمنزلق يهوي به إلى ارتكاب الفاحشة‏،‏ وأحسَّ أنه لا يجد من نفسه عاصماً عن الوقوع في تلك الوهدة‏،‏ إلاّ باللجوء إلى هذا العمل الذي لا نشكُّ في شذوذه‏،‏ ولكنّا لا نشكُّ أيضاً في أنه أقلُّ سوءاً وضرراً من ارتكاب الفاحشة‏،‏ فإن القاعدة الفقهية التي هي محلّ اتِّفاق‏،‏ تقضي بجواز اللجوء إلى هذا العمل في حدود الحاجة‏.‏‏.‏ وبشروطها المعتبرة شرعاً‏،‏ ومن أبرزها وأهمّها أن يبقى هذا العمل في حدود الحاجة التي تفرض نفسها‏،‏ وألا يتحوَّل إلى عادة مهيمنة‏،‏ وذلك هو مقتضى قاعدة‏:‏ ‏(‏‏(‏الضرورات تُبيح المحظورات‏)‏‏)‏‏.‏

فمن أطلق القول بالتحريم إنما قصد عموم الأحوال وأساس الحكم‏.‏ ومن قال بالجواز إنما لاحظ الحاجة‏،‏ كما يظهر ذلك واضحاً في كلام عبد الله بن عباس‏.‏ فلا خلاف بينهم في منطلق الحكم وأساسه‏.‏
غير أننا ننصح الشباب الذين تراودهم أنفسهم اللجوء إلى هذا العمل‏،‏ أن يتلمَّسوا العلاج في السبيل الأجدى والأكثر انسجاماً مع الفطرة‏،‏ ألا وهو الابتعاد عن الأجواء السَّيئة والموبوءة‏،‏ والانغماس بدلاً عن ذلك في مجتمعات إسلامية صغيرة تملأ الوقت وتشغل الفكر وتحجز عن الشَّر‏.‏ هذا إلى جانب ضرورة السَّعي إلى الزّواج بكل الوسائل والسُّبل الممكنة‏.‏
ولا يعتذرنَّ أحد منهم بالفقر وقلَّة ذات اليد‏،‏ فلا معنى لهذا الاعتذار بعد قول الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وأنْكِحوا الأيامَى مِنْكُم والصّالِحينَ مِنْ عِبادِكُم وإمائِكُم‏،‏ إن يَكونوا فُقَراءَ‏،‏ يُغْنِهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النُّور‏:‏ 24/32‏]‏‏.‏
على أنه لا بدَّ من تجنُّب سُبل التَّعقيد والابتعاد عن المظاهر والقيود المرهقة‏.‏ وليكن أولياء الفتيات عوناً للشّباب على السَّعي في هذا الطريق‏.‏
والله هو وليُّ كلّ توفيق أولاً وآخراً‏،‏ وملاذ كل ملهوف ومستجير في سائر الأحوال‏.‏