الدليل المقنع على وجود الله سبحانه وتعالى:

الدليل المقنع على وجود الله هو آثارُه المشاهَدة التي لا يمكن أن تكون موجودة بنفسها من غير قوَّة كُبرى على قدرة وعلم وصفات يَصدُر عنها هذا الإبداع وهي قوة الله تعالى، ومن البدَهيَّات أن كل صَنعة لا بد لها من صانع، وكلَّما كانت الصَّنعة أحكم كان صانعها على أعلى مستوى من الحكمة، وكما قال الحكماء: ليس هذا العالم مخلوقًا بالطبع أو بالعلة؛ لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف، بل يَلتزم شكْلاً واحدًا، ومعلولُ العلَّة لا يتخلَّف، بل لا بد أن يكون ملازِمًا لعلَّته وجودًا وعدمًا، حدوثًا وقِدَمًا.

إن الإيمان بوجود الله حقيقة مقرَّرة في فطرة الإنسان منذ خُلِق، كما نص الحديث الصحيح.
” ما من مولود إلا يُولد على الفِطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تُنتج البَهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحسُّون فيها من جدْعاء ” يقول أبو هريرة راوي الحديث: اقرءوا إن شئتم ( فِطْرَةَ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) ( سورة الروم : 30 ) رواه البخاري ومسلم.
إن الرجل البدَوي حين سُئل عن وجود الله نَطق بفطرته فقال: البَعْرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماءٌ ذاتُ أبْراج، وأرضٌ ذات فِجَاج، وبحار ذات أمواج أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟

ونحن نعلم أن آدم ـ عليه السلام ـ خُلق وهَبط الأرض وفي قلبه هذه الحقيقة، ونشأت ذريته الأولى على هذا الإيمان. ولما تفرَّقوا في طول الأرض وعَرْضها شغلهم طلب العيش والمأوى عن التفكير في خالق هذا الكون، وساقتْهم فطرتُهم إلى أن هناك من هو أقوى منهم، يُسيِّرهم، ويسيطر عليهم، بما يرونه من كواكب ونجوم ومخلوقات شتَّى، وحاولوا التقرُّب إليها أو التحصُّن ضد خطرها، وكما يحدِّثنا علماء الفلسفة والأجناس البشرية، رمزوا إلى هذه القوة الخفيَّة بما يُعبر عن عقيدتهم في شكل تِمْثال أو غيره، ومن هنا جاء الرسل لتلْفت أنظار الضالِّين إلى حقيقة الألوهية.

ومهما يكن من شيء فإن علماء العصر الحديث ـ على الرَّغم من تنكُّر بعضهم للدين الذي عاشوا في ظلِّه قرُونًا، وحرَمهم كثيرًا مما يحتِّمه انطلاق الفكر ونشاط الإرادة ـ لم يستطيعوا أن يُنكروا وجود الله وراء هذه المادة التي هي وِعَاء علمهم وتجارتهم، وكان أسلوبهم في البحث بعيدًا عن الأسلوب الديني التقليدي الذي ثاروا عليه، ولو شئنا لأوردنا كثيرًا من أقوال كِبارهم في إثبات وجود الله، ولكننا نحيل القارئ إلى كتاب ” الله يتجلَّى في عصر العلم ” الذي جمع فيه ” جون كلوفر مونسما ” الباحث الدِّيني الاجتماعي كثيرًا من شهادات علماء أمريكا المتخصِّصين في كل العلوم، بما يؤكد اعتراف العِلم بوجود الله.
وإن شئنا دليلاً على طريقة المتكلمين وعلماء التوحيد على وجود الله نحِيل القارئ إلى كتاب” رسالة التوحيد ” للشيخ محمد عبده، ولعله يوفَّق إلى فَهم الأسلوب الموضوع للاستدلال على وجوده سبحانه.

وإذا ورد السؤال من إنسانا مسلمًا ومؤمنًا بالتالي بوجود الله فلا يشْغَل نفسه بأمر لا يُعنَي به إلا الفلاسفة والعلماء المتخصصون الذين يُنفقون وقتًا كبيرًا في الجدل والمناقشة.

عدم رؤية الإنسان لله ليست دليلا على عدم وجوده:

نأخذ هنا مثالا للتوضيح: لو أن إنسانا ولد أعمى وعندما كبر وصار عمره عشرون سنة وأراد في يوم من الأيام أن يخرج من البيت فطلب ممن معه في البيت أن يعطوه لباسا يلبسه فسألوه لديك بنطال أسود وبني وأزرق ولديك قميص أبيض وأصفر ورمادي فسأل الأعمى ماذا تقصدون بالأحمر والأزرق والأصفر . . ولكن المبصر لا يعرف كيف يجيبه على سؤاله وكيف يمكن أن يعرفه على هذه الألوان.
إلا أنه لا يعني عدم قدرة المبصر على وصف الألوان للأعمى تدل على أنها غير موجودة ولا يعني عدم رؤية الأعمى للألوان تدل على أنها غير موجودة وبالتالي لا يمكن لأعمى أن ينكر حتى البنطال او القميص لعدم قدرته على رؤيتهم ومعرفة ماهيتهم.
ولله المثل الأعلى فلا يدل عدم رؤية الإنسان لله سبحانه وتعالى على أنه غير موجود وبالتالي ينسف كل ما حوله من مخلوقات وإبداعات وهذا الكون العظيم على أنه عبث ولا وجود لخالق له.
قال تعالى : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير )الأنعام103

الدليل على أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله:

إن قيام سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدَّعوة إلى دين جديد حقيقة تاريخية مقرَّرة لا شك فيها، وتلك آثارها شاهد صدْق عليها. ولما جاء بالدعوة وكذَّبه قومُه طلبوا منه ما يدل على صدْقه، بالإضافة إلى ما عرَفوه عنه من صدق وأمانة، وقد انتزع منهم هذا التصديق المبدئي بقوله ” أرأيتم لو أخبرتكم أن خيْلاً وراء هذا الوادي تُريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصدِّقيّ؟ ” قالوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا، فقال لهم ” إني نذير لكم بين يدَيْ عذاب شديد ” ولذلك جاء على لسان من عُرضت عليه الدعوة وعُرف أنه مشهور بالصدق: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله.

فلما أصروا على كذبهم ظُلمًا وعُلوًّا وقد استيقنَت أنفسهم صِدقَه طلبوا منه آية ـ أي علامة تدل على صدقه في أنه رسول الله من عند الله، وليس مدَّعيًا ذلك من نفسه ـ فجاءهم بالقرآن متحدِّيًا إياهم به، فعجزوا عن الإتيان بمثله، بل بعَشْر سورٍ، بل بسورة واحدة، على الرغم من أنهم فُرسان البلاغة والفصاحة. وقد نص على ذلك قول الله تعالى ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَن يَأتُوا بَمَثْلِ هَذَا القرآنِ لا يَأْتونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كَانَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( سورة الإسراء : 88 ). وهذا التحدي قائم إلى يوم القيامة.

وحيث إنهم عجزوا عن محاكاته عُلم أنه ليس من صُنعِه فيكون من صنع الله وحده، الذي جعل هذه المعجزة دليلاً على أن الرسول مبعوث من عند الله. وقد صح في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ” ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أُعطِيَ من الآيات ما مثْله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجوا أن أكون أكثرَهم تابِعًا يوم القيامة ” .

وإذا صدَّقنا بالقرآن معجزةً صدَّقْنا برسالة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكلِّ ما جاء به، فالآيات في القرآن كثيرة تُثْبت رسالة جميع الرُّسُل السابِقين. ومن يريد توضيحًا لهذه الحقيقة فليرجِع إلى ” رسالة التوحيد ” للشيخ محمد عبده.