روى مسلم وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ” إذا كانوا ثلاثة فلْيَؤمَّهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم”، والمراد بالقراءة هنا كثرة الحفظ ومعرفة أحكام الدين، أي أفقههم، كما قال بعض العلماء.

وروى البخاري وغيره أن عمرو بن سلمة نقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “فإذا حضرت الصلاة فليُؤَذِّن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا” فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى فقدَّموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وجاء في رواية النسائي أنه ابن ثمان سنين، وجاء في رواية أحمد وأبي داود أنه قال: فما شهدت مَجْمَعًا من جَرْمٍ – وهم قومه – إلا كنت إمامهم إلي يومي هذا. بناءً على ما تقدم يجوز للصبي أن يكون إمامًا لمن هم أكبر منه سنًّا، وبخاصة إذا تميَّز عنهم بالتفقُّه في الدين، وهذا ما قال به الإمام الشافعي رضي الله عنه.

أما الإمام مالك فقد كره أو منع ذلك في الفرائض وأما أبو حنيفة وأحمد، فقد اختلفت الرواية عنهما، والمشهور عنهما، كما قال ابن حجر في كتابه ” فتح الباري” أنهما يُجَوِّزان أن يكون الصبي إمامًا في النوافل كالتراويح والعيدين دون الفرائض، لكن هذه التفرقة لا معنى لها؛ لأن حديث عمرو فيه آذان للصلاة ثم الإمامة، والأذان لا يكون إلا للفريضة دون النافلة.

والذين منعوا إمامة الصبي أو كرهوها في الفريضة استندوا إلى أَثَرٍ عن ابن مسعود بأنه لا يَؤُمُّ الغلام حتى تجب عليه الحدود، أي حتى يُكَلَّف بالبلوغ، وكذلك أَثَرٌ مثله عن ابن عباس رواهما الأثرم في سننه، وليسا مرفوعين إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل هما رأيان لهما، وفي مثل هذا المقام يُقَدَّم الحديث المرفوع على الكلام الموقوف على الصحابي، كما يُقَدَّم ما رواه البخاري ومسلم على ما رواه الأثرم.

والموضوع مُوَضَّح في نيل الأوطار للشوكاني، وخلاصته أن إمامة الصبي في الفرائض جائزة وصحيحه عند الشافعي ويُمْكِن الأخذ به في الصبي يُصَلي بوالدته وإخوته وأخواته، والتلميذ يصلي بزملائه، لكنها غير جائزة عند الأئمة الآخرين، والبالغ إن وجد أوْلى من الصبي.