فاللعب بالنرد محظور شرعا وأقل ما فيه الكراهة، لأنه كالأزلام يعول فيه على ترك الأسباب والاعتماد على الحظ والبخت فهو عبث يخشى ضره ولا يرجى منه نفع، أما الشطرنج ونحوه فقد اختلف الفقهاء في حكمه، والأكثرون على أنه غير محرم بشرط أن لا يدخل في القمار، وأن لا يصد عن ذكر الله، والقاعدة في حكم الملاهي إن العلة في تحريم كل حرام هي المضرة في الدين أو النفس أو العقل أو العِرْض أو المال، فما لا ضرر فيه لا يحرم.

يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله- :

( النرد ): هو ما يسمونه اليوم ( الطاولة )، وهذا يغني عن وصفه ووصف اللعب به، على أننا رأيناه ولكن لا نعرف كيفية اللعب به، وهو من وضع الفُرس، ويقول صاحب القاموس المحيط وغيره: إن واضعه أردشير بن بابك أحد ملوكهم قال: ولهذا يقال له النردشير، وأردشير هذا هو مؤسس الدولة الساسانية في الفرس التي هي الطبقة الرابعة من ملوكهم، وذلك في سنة 226م ، وقبل موته توج ابنه سابور وولاه واختار هو العزلة ومات من سنته وهي 240م، ويظن أنه اخترع النرد في تلك العزلة للتلهي به ، وإن كان مشغولاً بالعبادة في بيوت النيران فإنه هو الذي أرجع في تلك المدة مذهب زرادشت المجوسي إلى الفرس، وفي شرح القاموس أن سبب تسمية أردشير هو أن ( شير ) اسم الأسد، وقد نُقل أن الأسد شمه وهو طفل ولم يأكله، وقال الماوردي: قيل إنه وضعه على البروج الاثني عشر والكواكب السبعة؛ لأن بيوته اثنا عشر كالبروج ونقطه من جانبي القصر سبع كالكواكب السبعة فعدل به إلى تدبير الكواكب والبروج، وقال البيضاوي في شرح المصابيح: يقال أول من وضعه سابور بن أردشير ثاني ملوك الساسان ولأجله يقال له النردشير، وشبّه رقعته بالأرض، وقسمها أربعة أقسام تشبيهًا بالفصول الأربعة.

أما حكم الشارع في النرد بخصوصه فالحظر؛ فقد روى أحمد و مسلم و أبو داود و ابن ماجه من حديث أبي موسى مرفوعًا: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله ) ومن حديث بريدة (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه)، وأما الحكمة في ذلك :فهي أنه كالأزلام يعول فيه على ترك الأسباب والاعتماد على الحظ والبخت فهو عبث يخشى ضره ولا يرجى منه نفع.

قال النووي في شرح مسلم عند الكلام على الحديث: وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد، وقال أبو إسحاق المروزي: يكره ولا يحرم، وقيل: وسبب تحريمه أن وضعه على هيئة الفلك بصورة شمس وقمر وتأثيرات مختلفة تحدث عند اقترانات أوضاعه ليدل بذلك على أن أقضية الأمور كلها مقدرة بقضاء الله، ليس للكسب فيها مدخل ، ولهذا ينتظر اللاعب ما يُقضى له به.

وقد اختلف فقهاء الشافعية في درجة حظره، فذهب الأكثرون إلى أنه من الكبائر ترد الشهادة بالمرة الواحدة منه، وقيل : هو من الصغائر، وقال بعضهم بكراهته لقول الشافعي في المختصر: وأكره اللعب بالنرد للخبر، وردوه بأنه كثيرًا ما يقول مثل هذا في المحرمات واختلف النقل عن ( الأم ).

ونقل الموفّق الحنبلي في مُغنيه الإجماع على تحريم اللعب، وكأن الذين قالوا بالكراهة لم يعتدوا بهذا النقل، وعندي أن تحقق الإجماع في غير الأمور العملية المتواترة كهيئة الصلاة وعددها عزيز، ولكن أقل ما في نقل الموفق أنه لم يقل أحد من الأئمة المشهورين بحِلّه.

( الشطرنج )وأما الشطرنج فهو معروف، والمشهور في كتب التاريخ والأدب أن واضعه أحد حكماء الهند القدماء، ويزعم بعض الإفرنج أن اليونانيين هم الذين وضعوه في أثناء حرب ترواده الشهيرة، وأما سبب وضعه فقد قالوا فيه: إنَّ الحكيم صيصه بن داهر الهندي رأى أن ملك زمانه فتى مستعد للخير والعدل في الرعية، ولكن بطانته قد حببوا إليه اللهو واللعب والترف والمخيلة، وصرفوه في حظوظهم وأهوائهم، ورأى أن الملوك يثقل عليهم سماع النصح الصريح فأحسن الحيلة في إيصال النصيحة إلى الملك في صورة اللعب باختراع الشطرنج الذي مبناه على أن بقاء الملك ببقاء الرعية، وأنه في نفسه ليس بشيء، وهو بهم كل شيء، ولما اخترعه وعلم به الملك استقدمه ليعلّمه اللعب به فكان يلاعبه ويشرح له في ضروب اللعب ما يمثل له حالته، وما يتوقع من أخطارها، ففهم النصيحة، وعمل بها فحسنت الحال ، ويقال : إنه أراد أن يكافئه فقال له تمنَّ عليَّ واقترح، فاقترح أن يوضع في بيت من بيوت الشطرنج حبة قمح واحدة، وتضاعف في البيت الذي بعده، ثم تستمر المضاعفة بأن يضاعف في كل بيت ما قبله إلى آخر البيوت وعددها 64 ويعطى مجموع ذلك، فاحتقر الملك هذا المطلب ثم علم أن خزائنه لا تفي به، وقد عنى بعضهم بضبط العدد الحاصل من هذه المضاعفة، قال ابن السمان الدمشقي: إنَّ جملته ثمانية عشر ألف ألف ألف ألف ألف ألف – ست مرات – وأربع مائة وسبعة وأربعون ألف ألف ألف ألف ألف – خمس مرات – وسبع مائة وأربعون ألف ألف ألف ألف – أربع مرات – وثلاثة وسبعون ألف ألف ألف – ثلاث مرات – وسبع مائة وتسعون ألف ألف – مرتين – وخمس مائة وواحد وخمسون ألف وست مائة وخمس عشرة، وقدر بعضهم أن هذا العدد يملأ 16384 مدينة في كل مدينة 1024 بيتًا في كل بيت 17476 مكيالاً من القمح، كل 32768 حبة.

أما حكمه فقد اختلف فيه الفقهاء والأكثرون على أنه غير محرم، أباحه قوم بشرط أن لا يدخل في القمار، وأن لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وبديهي أن الإكثار من اللعب به وبغيره يُسقط المروءة، ولا يرضاه العاقل لنفسه، فهو مكروه كراهة شديدة.

وقد رووا في تحريمه أحاديث لا يصح منها شيء بل هي إلى الوضع أقرب منها إلى الضعف، ومنها حديث: ملعون من لعب بالشطرنج، رواه الديلمي عن أنس، ورواه غيره بزيادة: والناظر إليها كآكل لحم الخنزير، وروى من حديث واثلة: أن الله تعالى ينظر في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه: يعني الشطرنج، ورواه الخرائطي بلفظ آخر، وروى البيهقي وابن عساكر عن عمار بن أبي عمار أن عليًّا عليه السلام مر بقوم يلعبون بالشطرنج فوثب عليهم فقال: ( أما والله لغير هذا خُلقتم ولولا أن تكون سنة لضربت بها وجوهكم )، وروى الثاني عنه أنه قال: لا تسلم على أهل النردشير والشطرنج, وروايته ضعيفة.

وقد روى ابن أبي شيبة و عبد بن حميد – كلاهما من شيوخ البخاري – و ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي كرم الله وجهه أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفئه خير له من أن يمسها )وفي ( الزواجر ) أن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) سئل عن الشطرنج فقال: ( هي شر من الميسر ) وقال الإمام مالك: هي كالنرد، وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أنه ولي مالاً ليتيم فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها، ولو كان اللعب بها حلالاً لما جاز إحراقها.

وقال النووي في فتاويه : الشطرنج حرام عند أكثر العلماء وكذا عندنا إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب به على عوض فإن انتفى ذلك كره عند الشافعي وحرم عند غيره، قال ابن حجر في الزواجر: فإن قلت: ما الفرق عندنا بين النرد والشطرنج ؟ قلت: فرق أئمتنا بأن التعويل في النرد على ما يخرجه الكعبان فهو كالأزلام، وفي الشطرنج على الفكر والتأمل، وأنه ينفع في تدبير الحرب.

أما (الضمنة)فهي لعبة حديثة فيما أظن، وأما (الكتشينة)فهي نوع من اللعب بالورق الذي سماه الفقهاء ( الكتحفة )، وكلاهما يعلم من القاعدة التي نذكرها لتكون فصل الخطاب وهي:  قاعدة في حكم الملاهي إن العلة في تحريم كل حرام هي المضرة في الدين أو النفس أو العقل أو العِرْض أو المال، فما لا ضرر فيه لا يحرم.

وما ورد في (النرد) فسببه الأول أنه شبيه بالأزلام التي كانوا يلقونها في الجاهلية لمعرفة الخير والشر؛ فإن المعوَّل في النرد على البخت الذي يخرجه الكعبان (يأخذ كل لاعب كعبين يسمونها الآن الزهر)، كما أن المعول في الأزلام على البخت الذي تخرجه القداح، وقد حرم الاستسقام بالأزلام لما فيها من التغرير بالعقل، وبناء الأمور على الوهم، وإهمال الفكر والنظر، ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النرد لما فيه من معنى الأزلام ومن التذكير بها، وأحب لكل مسلم أن يجتبنه وإن انتفت العلة عنده بأن كان لا يعتقد بالبخت، ولا يبني حكمًا إلا على سبب صحيح، احترامًا للنهي الصريح.

وأما (الشطرنج) فقد قالوا: إنه لم يكن معروفًا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من دلائل وضع ما ورد فيه مرفوعًا، وأما الآثار فمنها القوي، ومنها الضعيف، فمَن لم يحتج بها فليحكم قاعدة دفع الضرر في كل لعب، وقد قال بعض أئمة الشافعية: إن اللعب الذي فيه حساب وفكر يباح، وما لا حساب فيه ولا فكر فهو مكروه، أي: إن لم يضر، وإلا فهو حرام، أقول: ومن اللعب ما يفيد رياضة البدن وتحريك الدم فيه، وينبغي أن يكون محمودًا محبوبًا، لا مذمومًا ولا مكروهًا، وأي حرج – ليت شعري – على مَن أنهك بدنه أو عقله التعب من شغله، فحاول ترويح نفسه، أو ترويض جسمه ببعض الألعاب التي تنفعه ولا تضر غيره، ولا تخل بمروءته.

إن ترك مثل هذه الرياضات يضر أحيانًا ، فإذا ظن ضرر تركها كان الترك مكروهًا، وإذا تحقق الضرر كان الترك حرامًا، وإذا لم يكن في الفعل ولا في الترك ضرر فالفعل مباح، ما لم يخل بالمروءة، كانكباب أهل الهيئات ورجال العلم والأحكام على اللعب في بيوت اللهو ( القهاوي )، فإن ذلك مكروه شرعًا وعقلاً بلا نزاع.