ترجمة القرآن واعتبار الترجمة قرآناً لا تجوز بحال ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، وهو معجز بلفظه ومعناه ، كما أن بقاء القرآن عربي داخل في معنى حفظ الله له ، أما ترجمة تفسيره ومعانيه لتيسير فهمه فلا بأس .

يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:

إن هذا القرآن عربي (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) فصلت : 44 ، ومن مقاصد الإسلام العالية جمع البشر على دين واحد ولغة واحدة لتكمل وحدتهم ، وتتحقق أخوتهم ، ولا سبيل إليها إلا بتحتيم بقائه عربيًّا ، وأن بقاءه عربيًّا داخل في معنى حفظ الله له .

فترجمته غير جائزة وغير متيسرة ؛ فإنه معجز في بلاغته وتأديته للمعاني ، ولن يستطيع أن يترجمه إلا من يصل إلى درجة الإعجاز في اللغة التي يحاول نقله إليها ، ويكون مع هذا في فهم الأساليب العربية منقطع القرين ، وفي فهم الإسلام ومعرفة حقائقه آية في العالمين .

كلا إنني موقن بأن ترجمة القرآن مستحيلة ، ولا يوجد في البشر من يستطيع أن ينقله إلى لغة أخرى بحيث يَفهم قارئ الترجمة كل ما يمكن أن يفهم من القرآن العربي المبين ، وإن من أكبر الجرائم والجناية على الدين أن يحاول المسلمون هذا الأمر فيكون عند التركي قرآن تركي وعند الفارسي قرآن فارسي وهلم جرّا .

وقد عثر بعض العلماء فقال بجواز القراءة بالفارسية لمن عجز عن العربية ولكن طبيعة الإسلام لفظت هذا القول وتركته كالشيء اللقا ، ولم يعمل به أحد من المسلمين ، مع احترام قائله ؛ لأنه لم يكن سيئ القصد ، ولو أخذ الناس بهذا القول لما انتشرت اللغة العربية في الأقطار الإسلامية ولصدم الإسلام صدمة أرجعته إلى جزيرة العرب وحبسته فيها .

أقول هذا على تقدير أن المراد ترجمة القرآن وحسبان الترجمة قرآنًا باعتبار أن العبرة بالمعاني كما قال بعض العلماء والاكتفاء بذلك ، وأما إذا ترجم شيء من القرآن بقصد جعله وسيلة للدعوة إلى الإسلام فلا بأس بذلك ، لا سيما إذا كان من تُراد دعوتهم كالإفرنج الذين يبحثون عن أصول الأديان ولا يكتفون بعرض آراء علمائها عليهم لأنهم يعتقدون أن علماء كل دين تصرفوا فيه باجتهادهم أو بأهوائهم .

ومن يترجم القرآن بعضه أو كله لهذا الغرض فعليه أن يبين في مقدمة الترجمة أنه نقل إلى لغة كذا ما فهمه هو من القرآن إن كان يعتمد على فهمه أو ما فهمه فلان المفسر ويذكر من اعتمد على تفسيره ، وإذا اعتمد على غير واحد من المفسرين فليذكر أسماءهم وإذا أشار في هامش الترجمة إلى عزو كل قول إلى قائله فذلك أفضل وأكمل .

وحسب المسلمين من الأعجمين تقصيرًا في حق القرآن أن فسروه بلغاتهم وكان الواجب عليهم أن يجتهدوا في تعميم اللغة العربية ويفهموه بالعبارة العربية التي أنزل بها.