اختلف الفقهاء في زكاة الدين، وصفوة القول أن الدائن – صاحب المال أي المقرض- يجب عليه أن يؤدي زكاة المال الذي أقرضه كل سنة هجرية إذا كان يبلغ النصاب ( وهو ما يساوي 85 جراما من الذهب ) أو إذا كان الدين بحيث لو أضيف إلى بقية أمواله يساوي النصاب بعد خصم ديونه الحالة ونفقاته الضرورية بشرطين اثنين :
الشرط الأول : أن يكون المقترض قادرا على السداد في أي وقت يطلب الدائن فيه أمواله، أو عند الأجل المسمى للسداد.
الشرط الثاني : أن يكون المقترض وفيا أمينا غير مماطل.
فإذا توفر هذان الشرطان فعليه أن يضم الديون التي له إلى الأموال التي معه، ثم يخرج 2.5% عن مجموع هذه الأموال كل سنة هجرية.
وأما إذا كان المدين – المقترض – فقيرا لا يملك السداد في الوقت الذي يطلبه الدائن، أو في أجله المسمى، أو كان غنيا لكنه مماطل، فليس عليه زكاة عن هذه الديون حتى يقبضها فعلا، فحينئذ يزكيها عن سنة واحدة حتى لو كان قد مر عليه أعوام.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي :

جمهور الفقهاء منذ عصر الصحابة ومن بعدهم، يرون أن الدَيْن نوعان:
دَيْن مرجو الأداء، بأن كان على موسر مقر بالدَيْن، فهذا يعجل زكاته، مع ماله الحاضر في كل حَوْل.
روى أبو عبيد ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر بن عبد الله من الصحابة، ووافقهم على ذلك من التابعين: جابر بن زيد ومجاهد وإبراهيم وميمون بن مهران .
والنوع الثاني دَيْن غير مرجو أخذه، بأن كان على معسر لا يُرجَى يساره، أو على جاحد ولا بيِّنة عليه. ففيه مذاهب:
الأول: أن يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو مذهب علي وابن عباس.
الثاني: أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة وهو مذهب الحسن وعمر بن عبد العزيز وهو مذهب مالك في الديون كلها: مرجوة وغير مرجوة (وإنما يُزكى الدين عند مالك لسنة من يوم زكَّى أصله إن كان قد زكَّاه، أو من يوم مِلْك أصله، إن لم تجب الزكاة فيه، بأن لم يقم عنده حَوْلاً، ولو أقام عند المدِين أعوامًا. فإذا قبضه زكَّاه لعام فقط، بشرط أن يتم المقبوض نصابًا بنفسه، ولو على دفعات.
ومحل تزكيته لعام فقط إذا لم يؤخر قبضه فرارًا من الزكاة: أي قصدًا إلى التهرب من وجوبها عليه. وإلا زكَّاه لكل عام مضى، كما قال ابن القاسم.

الثالث: أنه لا زكاة عليه لشيء مما مضى من السنين، ولا زكاة سنته أيضًا وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، وهو عندهم كالمال المستفاد يستأنف صاحبه به الحَوْل (الأموال: ص 434 – 435).

هذا وقد اختار الإمام أبو عبيد – إذا كان الدين مرجوًا – الأخذ بالأحاديث العالية، التي ذكرها عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر: أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر، ما دام الدين على الأملياء (جمع مليء وهو الغني)، لأن هذا حينئذ بمنزلة ما في يده وفي بيته.
وأجاز أبو عبيد – على حذر منه – تأخير زكاة الدين إلى القبض، فكلما قبض منه شيئًا زكَّاه لما مضى إذا لم يؤد ذلك إلى الملالة والتفريط.
أما الدَيْن الميئوس منه، أو كالميئوس منه، فقد اختار العمل فيه على قول علي وابن عباس: أنه لا زكاة عليه في العاجل، فإذا قبضه زكَّاه – لما مضى من السنين، وأيَّد ذلك ببقائه على ملكه، فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، ومِلْكه لم يزل عنه؟
ونحن نوافق أبا عبيد فيما اختاره في الدين المرجو، لأنه كما قال: بمنزلة ما في يده.

وأما الدين الذي يئس منه صاحبه فلا. فإنه – وإن بقي على أصل ملكه – لا يد له عليه، فهو مِلْك ناقص، والملك الناقص ليس بنعمة كاملة، والزكاة إنما تجب في مقابلتها. إذ الملك التام – كما ذكرنا – هو ما كان بيده، لم يتعلق به حق غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده حاصلة له (مطالب أولي النهى: 14/2).
فمقتضى تمام المِلْك، أن تكون له قدرة على الانتفاع بالمال المملوك بنفسه أو نائبه. ولم يتحقق ذلك هنا.
وهذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه في الدين الميئوس منه. وفي المال “الضمار” بصفة عامة: وهو كل مال غير مقدور على الانتفاع به، لأن المال الذي لا يقدر مالكه على الانتفاع به لا يكون به غنيًا، والزكاة إنما تجب على الأغنياء (بدائع الصنائع: 9/2).
ونحن نوافق أبا حنيفة في اعتبار هذا النوع من الدَّيْن المجحود أو الميئوس منه. والمال الضمار بصفة عامة إذا قبضه صاحبه كالمال الجديد المستفاد، فلا يُزكَّى لما مضى من السنين. وإن كنا نرجِّح مذهب الحسن وعمر بن عبد العزيز ومالك في تزكيته عند قبضه لسنة واحدة، بناء على رأينا في المال المستفاد، وأنه يُزكَّى عند استفادته وتملكه، دون اشتراط حَوْل .