الموظف أمين في مكان عمله على ما تحت يده من أدوات،ويجب أن يكون استخدامه لهذه الأدوات في نطاق العمل وما يخدمه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا ، ولا أن يستخدمها بدون إذن من أصحابها أو ممن فوضهم أصحابها.

أما الأشياء البسيطة التي تعارف عليها الناس، وأصبحوا ينتفعون بها أمام المدراء والمسئولين في وضح النهار فقد يغض الطرف عنها إذا كانت قليلة ليست ذات بال.

وعلى هذا فإذا كان خط النت مفتوحا باشتراك ثابت لا يخضع لعدد ساعات التشغيل فلا يظهر حينئذ مانع من الاستفادة الشخصية منه بشرط أن يكون ذلك في أوقات الفراغ، وبشرط أن لا يضر ذلك بالجهاز.
وأما إذا كان الخط مرتبطا بعدد ساعات الاستخدام فلا يجوز الانتفاع الشخصي منه.

يقول الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-
إن من الموظفين العاملين في المؤسسات العامة كالوزارات والجامعات والشركات العامة يسيئون استخدام الأموال العامة وما هو في حكمها كالتلفونات والسيارات والمعدات وغير ذلك .

وينبغي التوضيح أولاً أن أموال هذه الجهات وما في حكمها من أدوات مختلفة تعتبر من المال العام المملوك لعامة المسلمين في ذلك البلد والمال العام له حرمة في الشرع كالمال الخاص بل أشد لذا يحرم التساهل في استخدام المال العام وكأنه لا مالك له .

وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حرمة الخوض في الأموال العامة ، قال الله تعالى :( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) سورة البقرة 188 ، وقال أيضاً :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) سورة النساء الآية 29 .

وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أخرى :( وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة ) رواه مسلم .
وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر :[ قوله ( يتخوضون في مال الله بغير حق ) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل ] .

ومن العلماء من جعل المال العام كمال اليتيم بالنسبة للولي لا يتصرف فيه إلا بما يحقق مصلحة اليتيم ونقل مثل ذلك عن عمر رضي الله عنه ومن القصص المشهورة عن عمر بن عبد العزيز أنه كان عنده مصباحان أحدهما للدولة يستعمله عند قضاء مصالحها والآخر مصباح شخصي له يشعله إذا انتهى من مصالح الدولة .

إذا تقرر هذا فأقول إن السيارة التي تعطيها المؤسسة للموظف ليستخدمها في العمل يجب أن يكون استخدامها في نطاق العمل وما يخدمه وبالتالي لا يجوز استخدامها في الأمور الخاصة كالذهاب بها في الرحلات أو العمل عليها كسيارة أجرة ونحو ذلك فهذا كسب لا شك حرام .

ومثل ذلك استخدام تلفون المؤسسة فينبغي أن يكون في الأصل في شؤون العمل وأما استخدام التلفون في الأمور الشخصية كمن يتصل بمن يريد من أهله وأقاربه خارج البلاد مستعملاً تلفون المؤسسة فلا يجوز ذلك . وقد يغض النظر عن بعض الاتصالات الداخلية التي يجريها الموظف لبعض شؤونه الخاصة، وكذا استخدام بعض الأدوات اليسيرة في شؤونه الخاصة مما تعارف الناس عليه كاستخدام ورقة أو تصويرها ونحو ذلك.

ومن المعروف أن العرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار، ولكن لا يجوز التوسع في هذا الباب لأن الأصل حرمة المال العام . وأظن أنه يوجد في بعض المؤسسات العامة أنظمة وتعليمات لتنظيم استخدام الأموال العامة وما في حكمها كالسيارات فإن وجدت مثل هذه الأنظمة والتعليمات فيجب الالتزام بها .

وينبغي التذكير أن الموظف في الأصل هو بمثابة الأجير والأجير لا بد أن يكون أميناً، ويدخل في الأمانة حسن أداء العمل وتشمل أيضاً الأمانة في استخدام المال العام وتشمل الأمانة في استخدام أدوات العمل وغير ذلك.قال الله تعالى :( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) .
ويقول تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) سورة النساء الآية 58 .
ويقول تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) سورة المؤمنون الآية 8.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال :( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) رواه مسلم.

وخلاصة الأمر أن الأصل حرمة الأموال العامة وما في حكمها من الأدوات كالسيارات فلا يجوز استعمالها في الشؤون الشخصية إلا بالمقدار الذي يحقق مصلحة جهة العمل . انتهى.

فاستغلال الإنسان لأوقات فراغه في العمل أمر محمود؛ لأن الشرع الحكيم حث المسلم على اغتنام وقته وشغله بما هو مفيد ونافع كأمور الدين وشبه ذلك من أمور الدنيا، ومن ذلك مذاكرة طالب العلم ليزداد من المعارف، فقد أخرج الحاكم في المستدرك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه ” اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ” وكون الإنسان يعمل عند غيره لا يمنعه ذلك من الاستفادة من وقت فراغه استفادة لا تخل بعمله المنوط به.