جاء في كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق ـ رحمه الله ـ :[1]

الوصية تعريفها:
الوصية مأخوذة من وصيت الشيء أوصيه إذا أوصلته.
فالموصي وصل ما كان في حياته بعد موته.

وهي في الشرع:

هبة الإنسان غيره عينًا أو دنياً أو منفعة على أن يملك الموصي له الهبة بعد موت الموصي.
وعرفها بعضهم: بأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع؛ ومن هذا التعريف يتبين الفرق بين الهبة الوصية. فالتمليك المستفاد من الهبة يثبت في الحال. أما التمليك المستفاد من الوصية فلا يكون إلا بعد الموت.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، فالهبة لا تكون إلا بالعين. والوصية تكون بالعين وبالدين وبالمنفعة.

مشروعية الوصية:
وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
مشروعية الوصية في الكتاب: يقول الله سبحانه: ” كُتِبَ [2]عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ[3] أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا[4] الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ[5] حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” [البقرة/180].
كتب: أي فرض ، حضر: أي وجدت أسبابه. ، خيراً: المال، بالمعروف: الذي لا ظلم فيه للورثة
ويقول جل شأنه: “من بعد وصية يوصي بها أو دين.. ”
ويقول عزل وجل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ..”  [المائدة/106].

مشروعية الوصية في السنة  النبوية: جاء في السنة الأحاديث الآتية:
1- روي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه، يبيت ليلتين[2] إلا وصيته مكتوبة عنده”.
قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي ومعنى الحديث أن الحزم هو هذا فقد يفاجئه الموت.
قال الشافعي: ما الحزم والاحتياط للمسلم ألا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه لأنه لا يدري متى تأتيه منيته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك.
2- وروى أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة ، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار” ثم قرأ أبو هريرة: ” مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء/12]
3- وروى ابن ماجة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات على وصية مات على سبيل وسنة، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفوراً له.

مشروعية الوصية في الإجماع: أجمعت الأمة على مشروعية الوصية.
وصية الصحابة:
لقد انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ولم يوص؛ لأنه لم يترك مالاً يوصي به، روى البخاري عن ابن أبي أوفى أنه صلى الله عليه وسلم لم يوص، قال العلماء في تعليل ذلك:
لأنه لم يترك بعده مالاً .

وأما الأرض فقد كان سبيلها، وأما السلاح والبغلة فقد أخبر أنها لا تورث. ذكره النووي.

أما الصحابة فقد كانوا يوصون ببعض أموالهم تقرباً إلى الله.
وكانت لهم وصية مكتوبة لمن بعدهم من الورثة.
أخرج عبد الرزاق بسند صحيح أن أنساً رضي الله عنه قال: كانوا (أي: الصحابة) يكتبون في صدور وصاياهم:

بسم الله الرحمن الرحيم:
هذا ما أوصى به فلان بن فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويشهد أن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” [البقرة/132].

حكمة الوصية:
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم” والحديث ضعيف.
أفاد هذا الحديث أن الوصية قربة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل في آخر حياته كي تزداد حسناته أو يتدارك بها ما فاته، ولما فيها من البر بالناس والمواساة لهم.

حكم الوصية:
أما حكمها أي وصفها الشرعي من حيث كونها مطلوبة الفعل أو الترك (أما حكمها من حيث أثرها المترتب عليها فهو الملك للموصى له للموصى به متى مات الموصي) فقد اختلف العلماء في ذلك إلى عدة أراء نجملها فيما يلي:
الرأي الأول:
يرى أن الوصية واجبة على كل من ترك مالاً سواء أكان المال قليلاً أم كثيراً قاله الزهري وأبو مجلز.
وهذا رأي ابن حزم، وروي الوجوب عن ابن عمر وطلحة والزبير وعبدالله بن أبي أوفى وطلحة بن مطرف وطاوس والشعبي قال: وقول أبي سليمان وجميع أصحابنا. واستدلوا بقول الله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” [البقرة/180].
الرأي الثاني:
يرى أنها تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت.
وهذا مذهب مسروق وإياس وقتادة وابن جرير والزهري.
الرأي الثالث:
وهو قول الأئمة الأربعة والزيدية أنها ليست فرضاً على كل من ترك مالاً كما في الرأي الأول. ولا فرضاً للوالدين والأقربين غير الوارثين كما هو الرأي الثاني، وإنما يختلف حكمها باختلاف الأحوال.

فقد تكون الوصية واجبة أو مندوبة أو محرمة أو مكروهة أو مباحة.
متى تكون الوصية واجبة:
فتجب في حالة ما إذا كان على الإنسان حق شرعي يخشى أن يضيع إن لم يوص به: كوديعة ودين لله أو لآدمي، مثل أن يكون عليه زكاة لم يؤدها، أو حج لم يقم به أو تكون عنده أمانة تجب عليه أن يخرج منها أن يكون عليه دين لا يعلمه غيره أو يكون عنده وديعة بغير إشهاد.
متى تكون الوصية مندوبة:
وتندب في القربات وللأقرباء الفقراء وللصالحين من الناس.

متى تكون الوصية محرمة:
وتحرم إذا كان بها إضرار بالورثة. وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جاف (جار) في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة. قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتم: ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا [البقرة/229]
روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح، قال ابن عباس: “الإضرار في الوصية من الكبائر”.
ورواه النسائي مرفوعاً ورجال ثقات.
(ومثل هذه الوصية التي يقصد بها الإضرار باطلة ولو كانت دون الثلث).
وتحرم كذلك إذا أوصى بخمر أو ببناء كنيسة أو دار للهو.
متى تكون الوصية مكروهة:
وتكره إذا كان الموصي قليل المال وله وارث أو ورثة يحتاجون إليه؛ كما تكره لأهل الفسق متى علم أو غلب على ظنه أنهم سيستعينون بها على الفسق والفجور. فإذا علم الموصي أو غلب على ظنه أن الموصي له سيستعين بها على الطاعة فإنها تكون مندوبة.
متى تكون الوصية مباحة:
وتباح إذا كانت لغني سواء أكان الموصي له قريباً أم بعيداً.

ركن الوصية:
وركنها الإيجاب من الموصي.
والإيجاب يكون بكل لفظ يصدر منه متى كان هذا اللفظ دالاً على التمليك المضاف إلى ما بعد الموت بغير عوض مثل: أوصيت لفلان بكذا بعد موتي أو وهبت له ذلك أو ملكته بعدي.
وكما تنعقد الوصية بالعبارة كذلك بالإشارة المفهمة متى كان الموصي عاجزاً عن النطق كما يصح عقدها بالكتابة.
ومتى كانت الوصية غير معينة بأن كانت للمساجد أو الملاجئ أو المدارس أو المستشفيات فإنها لا تحتاج إلى قبول بل يتم بالإيجاب وحده؛ لأنها في هذه الحال تكون صدقة.
أما إذا كانت الوصية لمعين بالشخص فإنها تفتقر إلى قبول الموصى له بعد الموت أو قبول وليه إن كان الموصى له غير رشيد. فإن قبلها تمت وإن ردها بعد الموت بطلت الوصية، وبقيت على ملك ورثة الموصي.
والوصية من العقود الجائزة التي يصح فيها للموصي أن يغيرها أو يرجع عما شاء أو يرجع عما أوصى به.
والرجوع يكون صراحة بالقبول كأن يقول: رجعت عن الوصية.
ويكون دلالة بالفعل مثل تصرفه في الموصي ب تصرفاً يخرجه عن ملكه مثل أن يبيعه.

متى تستحق الوصية:
ولا تستحق الوصية للموصى له إلا بعد موت الموصي وبعد سداد الديون. فإذا استغرقت الديون التركة كلها فليس للموصى له شيء لقول الله تعالى: “من بعد وصية يوصي بها أو دين”.

الوصية المضافة أو المعلقة بالشرط:
وتصح الوصية المضافة أو المعلقة بالشرط أو المقترنة به متى كان الشرط صحيحاً.
والشرط الصحيح : هو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرها ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة.
ومتى كان الشرط صحيحاً وجبت مراعاته ما دامت المصلحة منه قائمة.
فإن زالت المصلحة المقصودة منه أو كان غير صحيح لم تجب مراعاته.

شروط الوصية:
الوصية تقتضي موصياً وموصى به؛ ولكل شروط نذكرها فيما يلي:
شروط الموصي:
يشترط في الموصى أن يكون أهلاً للتبرع بأن يكون كامل الأهلية.
وكمال الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية والاختيار وعدم الحجر لسفه أو غفل. فإن كان الموصي ناقص الأهلية بأن كان صغيراً أو مجنوناً أو عبداً أو مكرهاً أو محجوراً عليه فإن وصيته لا تصح.
ويستثنى من ذلك أمران:
1- وصية الصغير المميز الخاصة بأن تجهيزه ودفنه في حدود المصلحة.
2- وصية المحجور عليه للسفه في وجه من وجوه الخير مثل تعليم القرآن وبناء المساجد وإقامة المستشفيات.
ثم إن كان له وارث وأجازها الورثة نفذت من كل ماله.
وكذا إذا لم يكن له وارث أصلاً.
وأما إن كان له ورثة ولم يجيزوا هذه الوصية فإنها تنفذ من ثلث ماله فقط؛ وهذا مذهب الأحناف.
وخالف في ذلك الإمام مالك فأجاز وصية ضعيف العقل والصغير الذي يعقل معنى التقرب إلى الله تعالى قال: “الأمر المجمع عليه عندنا أن الضعيف في عقله والسفيه والمصاب الذي يفيق أحياناً تجوز وصاياهم إذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون ما يوصون به. وكذلك الصبي الصغير إذا كان يعقل ما أوصى به ولم يأت بمنكر من القول فوصيته جائزة ماضية”.
وقد أجاز القانون في مصر وصية السفيه وذوي الغفلة إذا أذنت بها الجهة القضائية المختصة.

شروط الموصى له:
يشترط في الموصى له الشروط الآتية:
1- أن لا يكون وارثاً للموصي. روى أصحاب المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: “لا وصية لوارث” رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه.
وهذا الحديث وإن كان خبر آحاد إلا أن العلماء تلقته بالقبول وأجمعت العامة على القول به وفي رواية “إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث”

وأما آية “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” [البقرة/180] فقد قال الجمهور من العلماء بنسخها.
وقال الشافعي:

إن الله تعالى أنزل آية الوصية، وأنزل آية المواريث فاحتمل أن يكون آية الوصية باقية مع الميراث. واحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصايا، وقد طلب العلماء ما يرجح أحد الاحتمالين، فوجدوه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى عنه أصحاب المغازي أنه قال عام الفتح: “لا وصية لوارث” أ. هـ.
واتفقوا على اعتبار كون الموصى له وارثاً يوم الموت حتى لو أوصى لأخيه الوارث حيث لا يكون للموصي ابن، ثم ولد له ابن قبل موته صحت الوصية للأخ المذكور، ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي فهي وصية لوارث.

2- ومذهب الأحناف: أن الموصى له إذا كان معيناً يشترط لصحة الوصية له أن يكون موجوداً وقت الوصية تحقيقاً أو تقديراً. أي يكون موجوداً بالفعل وقت الوصية أو يكون مقدراً وجود أثناءها. كما إذا أوصى لحمل فلانة. وكان الحمل موجوداً وقت إيجاب الوصية. أما إذا لم يكن الموصى له معيناً بالشخص فيشترط أن يكون موجودا وقت موت الموصي تحقيقاً أو تقديراً.
فإذا قال الموصي: أوصيت بداري لأولاد فلان ولم يعين هؤلاء الأولاد. ثم مات ولم يرجع عن الوصية. فإن الدار تكون مملوكة للأولاد الموجودين وقت موت الموصي سواء منهم الموجود حقيقة أو تقديراً كالحمل ولم يكونوا موجودين وقت إيجاب الوصية. ويتحقق من وجود الحمل وقت الوصية أو وقت موت الموصي متى ولد لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية أو من وقت موت الموصي.

وقال الجمهور من العلماء:

“إن من أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي إنها تصح وصيته ويفرقه الوصي في سبيل الخير ولا يأكل منه شيئاً ولا يعطي منه وارثاً للميت” . وخالف في ذلك أو ثور، أفاده الشوكاني في نيل الأوطار.

3- ويشترط أن لا يقتل الموصى له الموصي قتلاً محرماً مباشراً. فإذا قتل الموصى له الموصي قتلاً محرماً مباشراً بطلت الوصية له لأن من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. وهذا مذهب أبي يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا تبطل الوصية، وتتوقف على إجازة الورثة.

شروط الموصى به:
يشترط في الموصى به أن يكون بعد موت الموصي قابلاً للتمليك بأي سبب من أسباب الملك، فتصح الوصية بكل مال متقوم من الأعيان ومن المنافع وتصح الوصية بما يثمره شجر، وبما في بطن بقرته؛ لأنه يملك بالإرث فما دام وجوده محققاً وقت موت الموصي استحقه الموصى له.
وهذا بخلاف ما إذا أوصى بمعدوم. وتصح الوصية بالدين وبالمنافع كالسكن ونحوها. ولا تصح بما ليس بمال كالميتة وما ليس متقوماً في حق العاقدين كالخمر للمسلمين.

مقدار المال الذي تستحب الوصية فيه:

قال ابن عبد البر :

“اختلف السلف في مقدار المال الذي يستحب فيه الوصية أو يجب عند من أوجبها. فروى عن علي أنه قال: ستمائة درهم أو سبعمائة درهم ليس بمال فيه وصية وروي عنه ألف درهم مال فيه وصية.

وقال ابن عباس: ولا وصية في ثمانمائة درهم.
وقالت عائشة: في امرأة لها أربعة من الولد ولها ثلاثة آلاف درهم لا وصية في مالها.

وقال إبراهيم النخعي. ألف درهم إلى خمسمائة درهم. وقال قتادة في قوله: “إن ترك خيراً” ألفاً فما فوقها. وعن علي: “من ترك مالاً يسيراً فليدعه لورثته فهو أفضل. وعن عائشة فيمن ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيراً فلا يوصي” أ. هـ.
الوصية بالثلث:
وتجوز الوصية بالثلث ولا تجوز الزيادة عليه، والأولى أن ينقص عنه، وقد استقر الإجماع على ذلك.
روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة ـ وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها ـ قال: يرحم الله ابن عفراء. قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله. قال: لا قلت: فالشطر (النصف) ؟ قال : لا قلت: الثلث؟ قال: فالثلث والثلث كثير، إنك إن تدع (تترك) ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة (فقراء) يتكففون (يبسطون للسؤال أكفهم) الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى فيِّ (الفم) امرأتك، وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك أناس ويضر بك آخرون. ولم يكن له يومئذ إلا ابنة(كان هذا قبل أن يولد له الذكور وقد ولد بعد ذلك أربعة بنين: ذكره الواقدي وقيل: أكثر من عشرة ومن البنات ثنتا عشرة بنتاً)
الثلث يحسب من جميع المال:
ذهب جمهور العلماء إلى أن الثلث يحسب من جميع المال الذي تركه الموصي. وقال مالك: يحسب الثلث مما علمه الموصي دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به. وهل المعتبر الثلث حال الوصية أو عند الموت؟
ذهب مالك والنخعي وعمر بن عبدالعزيز أن المعتبر ثلث التركة عند الوصية. وذهب أبو حنيفة وأحمد والأصح من قولي الشافعي إلى اعتبار الثلث حال الموت. وهو قول علي وبعض التابعين.

الوصية بأكثر من الثلث:
الموصي إما أن يكون له وارث أو لا. فإن كان له وارث فإنه لا يجوز له الوصية بأكثر من الثلث كما تقدم؛ فإن أوصى بالزيادة على الثلث فإن وصيته لا تنفذ إلا بإذن الورثة. ويشترط لنفاذها شرطان:
1- أن يكون بعد موت الموصي لأنه قبل موته لم يثبت للمجيز حق فلا تعتبر إجازته، وإذا أجازها أثناء الحياة كان له الرجوع عنها متى شاء. وإن أجازها بعد الحياة نفذت الوصية. وقال الزهري وربيعة: ليس له الرجوع مطلقاً.
2- أن يكون المجيز وقت الإجازة كامل الأهلية غير محجور عليه لسفه أو غفلة. وإن لم يكن له وارث فليس له أن يزيد على الثلث أيضاً. وهذا عند جمهور العلماء وذهب الأحناف وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود إلى جواز الزيادة على الثلث لأن الموصي لا يترك في هذه الحال من يخشى عليه الفقر، ولأن الوصية جاءت في الآية مطلقة. وقيدتها السنة بمن له وارث فبقى من لا وارث له على إطلاقه.

متى تبطل الوصية:
وتبطل الوصية بفقد شرط من الشروط المتقدمة كما تبطل بما يأتي:
1- إذا جن الموصي جنوناً مطبقاً اتصل الجنون بالموت(الجنون المطبق: هو الجنون الذي يستمر سنة كما قال محمد بن الحسن؛ وقال أبو يوسف: هو الذي يمر يستمر شهراً وعليه الفتوى).
2- إذا مات الموصى له قبل موت الموصي.
3- إذا كان الموصى به معيناً وهلك قبل قبول الموصى له.

[1] فقه السنة (3/284-291) الفتح للإعلام العربي  ـ القاهرة.

[2] ليلتين: للتقريب لا للتحديد.