لا يجوز لأحد أن يفتات على الإمام الراتب بإقامة جماعة قبل جماعة المسجد ؛ لأن ذلك يعتبر تعدياً على حق الإمام الراتب ومخالفة لنظام المسجد وباباً من أبواب الفوضى فيصير كل من دخل أقام الصلاة وصلى مع غيره وهذا مناف للحكمة من صلاة الجماعة، فإن حصل وأقيمت جماعة قبل جماعة الإمام الراتب فمن أقامها فعمله يدور بين التحريم وبين الكراهة على الخلاف بين الفقهاء، ووقع الخلاف أيضا في صحة الصلاة ، فذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة باطلة ، ومنهم من قال بإجزائها مع الإثم .

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

الأصل أنه لا تجوز إقامة صلاة جماعة في المسجد قبل جماعة الإمام الراتب [وهو الذي رتبه السلطان ، أو نائبه ، أو الواقف ، أو جماعة من المسلمين ، والإمام الراتب يقدم في إمامة الصلاة على غيره من الحاضرين وإن اختص غيره بفضيلة كأن يكون أعلم منه أو أقرأ منه ، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم ، فسألوه أن يصلي بهم فأبى وقال : صاحب المسجد أحق ] الموسوعة الفقهية الكويتية 22/46.
ولا يجوز لأحد أن يفتات على الإمام الراتب – والافتيات هو الاستبداد بالرأي ، والسبق بفعل شيء دون استئذان من يجب استئذانه ، أو من هو أحق منه بالأمر فيه ، والتعدي على حق من هو أولى منه – الموسوعة الفقهية الكويتية 5/280.
والمقصود بالافتيات هنا التعدي على حق الإمام الراتب بأن تصلى جماعة قبل جماعة الإمام الراتب ؛ لأن ذلك يعتبر تعدياً على حق الإمام الراتب ومخالفة لنظام المسجد وباباً من أبواب الفوضى فيصير كل من دخل أقام الصلاة وصلى مع غيره وهذا مناف للحكمة من صلاة الجماعة.

وقد ورد في الحديث عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً ولا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ) رواه مسلم.
قال الإمام النووي [ قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يؤمنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) معناه: ما ذكره أصحابنا وغيرهم: أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره ،  وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه ،  وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم ،  وإن شاء قدَّم من يريده ،  وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة إلى باقي الحاضرين ؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء ] شرح النووي على صحيح مسلم 2/302.
وقد أخذ أهل العلم من هذا الحديث أنه لا ينبغي لأحد أن يفتات على إمام المسجد الراتب فيقيم جماعة قبل جماعة الإمام الراتب.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وإمام المسجد الراتب أولى من غيره ؛ لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان ، وقد روي عن ابن عمر أنه أتى أرضاً له‏، ‏ وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم فسألوه أن يصلي بهم‏، ‏ فأبى وقال‏:‏ صاحب المسجد أحق ولأنه داخل في قوله‏:‏ ‏ صلى الله عليه وسلم (‏من زار قوماً فلا يؤمهم) ] المغني 2/151.

وحديث (‏ من زار قوماً فلا يؤمهم) رواه الترمذي وحسنه.وقال الإمام النووي [ قال الشافعي والأصحاب: إذا حضرت الجماعة، ولم يحضر إمام فإن لم يكن للمسجد إمام راتب قدموا واحداً وصلى بهم ، وإن كان له إمام راتب ، فان كان قريباً بعثوا إليه من سيعلم خبره ليحضر أو يأذن لمن يصلي بهم ، وإن كان بعيداً أو لم يوجد في موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أن لا يتأذى بتقدم غيره ، ولا يحصل بسببه فتنة استحب أن يتقدم أحدهم ويصلي بهم ، للحديث المذكور ، ولحفظ أول الوقت ، والأولى أن يتقدم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام ، وإن خافوا أذاه أو فتنة انتظروه . فإن طال الانتظار وخافوا فوات الوقت كله صلوا جماعة ، هكذا ذكر هذه الجملة الشافعي والأصحاب ] المجموع 4/207.

إذا تقرر هذا فإن حصل وأقيمت جماعة قبل جماعة الإمام الراتب فمن أقامها فعمله يدور بين التحريم وبين الكراهة على الخلاف بين الفقهاء فقال الحنابلة بتحريم ذلك وقال الحنفية والشافعية والمالكية بكراهته وكذلك فمن أهل العلم من قال ببطلان تلك الصلاة ومنهم من قال بإجزائها مع الإثم وهو الذي أميل إليه وأختاره.
قال ابن مفلح المقدسي الحنبلي[تحرم الإمامة بمسجد له إمام راتب إلا بإذنه، قال أحمد: ليس لهم ذلك. وقال في الخلاف: فقد كره ذلك، قال في الكافي: إلا مع غيبة، والأشهر لا ، إلا مع تأخره وضيق الوقت . ويراسل إن تأخر عن وقته المعتاد مع قربه وعدم المشقة. أو لم يظن حضوره، أو ظن ولا يكره ذلك. وإن بعد صلوا، وحيث حرم فظاهره لا تصح. وفي الرعاية لا يؤم، فإن فعل صح ويكره، ويحتمل البطلان للنهي ] الفروع 1/581.

وقال الشيخ العلامة محمد صالح العثيمين في شرح قول صاحب زاد المستقنع: [ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب] أي: إذا كان المسجد له إمامٌ راتب. أي: مولًّى مِن قِبَلِ المسؤولين، أو مولًّى مِن قِبَلِ أهلِ الحَيِّ جيران المسجد، فإنَّه أحقُّ الناس بإمامتِهِ، لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم:( لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانه ) ومعلومٌ أنَّ إمامَ المسجدِ سلطانُه، والنهيُ هنا للتحريمِ، فلا يجوزُ للإنسان أن يؤمَّ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ إلا بإذن الإمام أو عُذره.

وكما أن هذا مقتضى الحديث، فهو مقتضى القواعد الشرعية؛ لأنه لو ساغ له أن يؤمَّ في مسجد له إمام راتب بدون إذنه أو عذره؛ لأدَّى ذلك إلى الفوضى والنزاع. قوله: ( إلا بإذنه ) أي: إلَّا إذا وَكَّلَهُ توكيلاً خاصاً أو توكيلاً عاماً. فالتوكيل الخاص: أن يقول: يا فلان صَلِّ بالناس، والتوكيل العام أن يقول للجماعة: إذا تأخَّرتُ عن موعدِ الإقامةِ المعتادِ كذا وكذا فصلُّوا. قوله: «أو عذره» العذر مثل: لو عَلِمنا أنَّ إمامَ المسجدِ أصابَه مرضٌ لا يحتمل أن يحضر معه إلى المسجد فلنا أن نُصلِّيَ، وإنْ لم يأذن.

مسألة: لو أنَّ أهلَ المسجدِ قدَّموا شخصاً يصلِّي بهم بدون إذن الإمامِ ولا عذره وصَلَّى بهم فهل تصحُّ الصلاةُ أو لا تصحُّ؟

فالجواب: في هذا لأهلِ العِلمِ قولان:

القول الأول: أنَّ الصَّلاة تصحُّ مع الإثم.

القول الثاني: أنهم آثمون، ولا تصحُّ صلاتُهم، ويجبُ عليهم أن يُعيدُوها.

والرَّاجح القول الأول؛ لأنَّ تحريمَ الصَّلاةِ بدون إذن الإمام أو عُذره ظاهرٌ من الحديثِ والتعليل، وأما صِحةُ الصلاةِ؛ فالأصلُ الصحةُ حتى يقومَ دليلٌ على الفسادِ، وتحريمُ الإمامةِ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ بلا إذنِهِ أو عذرِهِ لا يستلزمُ عدمَ صحةِ الصلاةِ؛ لأنَّ هذا التحريمَ يعودُ إلى معنًى خارجٍ عن الصلاة وهو الافتيات على الإمام، والتقدُّم على حَقِّهِ، فلا ينبغي أن تُبطل به الصلاةُ. ] الشرح الممتع 4/216- 218.

وقال علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي تحت عنوان الافتئات على الإمام الراتب: [يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناس يفتاتون على الإمام الراتب أي يتقدمون بالصلاة جماعة عليه قبل أن تقام له فيختزلون من الجامع ناحية يؤمون بها أناساً على شاكلتهم رغبة في العجلة أو حباً في الانفراد للشهرة.

وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب.

قالت الحنابلة: إلا بإذنه وإلا فلا تصح صلاته كما في الإقناع وشرحه، وقالت المالكية: كره إقامتها قبل الراتب وحرم معه ووجب الخروج عند إقامتها للراتب كما في أقرب المسالك، وكره ذلك الشافعية وأفتى ابن حجر بمنعه بتاتاً، وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له راتب وكره ذلك الحنفية.

ولا يخفى أن ما ينشأ عن هذا الإفتئات من المفاسد يقضي بتحريمه ؛ لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر وتفريق كلمة المسلمين والتشيع والتحزب في العبادة، ولمخالفة أمر السلطان أو نائبه لأنه أذن للراتب فقط ؛ ولاتباع الهوى ومضادة حكمة مشروعية الجماعة من الاتحاد للتآلف والتعارف والتعاون على البر والتقوى ، فإن في تقسيمها تناكر النفوس وتبديل الأنس وحشة، إلى مفاسد أخرى تنتهي إلى قريب الأربعين مفسدة، وقد جمعت في حظر ذلك رسالة سميتها (إقامة الحجة على المصلي جماعة قبل الإمام الراتب من الكتاب والسنة وأقوال سائر أئمة المذاهب) فليحذر من هذه البدعة الشنيعة هدى الله المفتاتين للإقلاع عنها] إصلاح المساجد عن البدع والعوائد ص 78-79.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز لأحد أن يقيم صلاة جماعة قبل جماعة الإمام الراتب لأن في ذلك افتياتاً على الإمام الراتب ومنافاة لحكمة مشروعية صلاة الجماعة فمن فعل ذلك صحت صلاته مع الإثم .