ورد في القرآن آيات كثيرة في فضل الأنبياء لا تنطبق على غير نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- وإن لم يُذكر في القرآن صراحةً تفضيله على سائر الأنبياء ، ومن ذلك : الآيات الدالة على عموم بعثته وكونه خاتم النبيين ورحمة للعالمين ، كذا كثير من الأحاديث الصحيحة التي تؤكد أفضليته .

يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:

ليس في القرآن نص صريح في تفضيل سيدنا محمد على سائر الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام بلفظ السيادة أو التفضيل ، وذكر اسمه الصريح ، ولكن فيه آيات كثيرة صريحة في معنى التفضيل لا تنطبق على غيره عليه الصلاة والسلام ، والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة وأشهرها حديث : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وما من نبي ؛ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ) وفي رواية للبخاري وغيره : ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) نعم هذه الأحاديث لا تفيد القطع ؛ لأنها رواية آحاد غير متواترة ، إلا أن من لا شبهة له في روايتها يصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ، ومتى صدَّق بالرواية تعين عليه الإيمان بمضمونها ؛ لأن دلالتها قطعية لا تحتمل التأويل .

أما الآيات التي استدلوا بها على تفضيله عليه أفضل الصلاة والسلام فكثيرة ، منها آية العهد والميثاق وهي قوله تعالى : [ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ] ( آل عمران : 81 ) ولم يجئ رسول يصدق عليه ما ذكر غير محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم اتفقوا على أنه هو ، ومنها الآيات الدالة على عموم بعثته وكونه خاتم النبيين ورحمة للعالمين كقوله تعالى : [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ] ( سبأ : 28 ) ، وقوله : [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ] ( الأنبياء : 107 ) ، وقوله : [ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ] ( الأحزاب : 40 ) .

وأحسن بيان لوجه التفضيل من كونه خاتم النبيين ما جاء في رسالة التوحيد لفضيلة مفتي الديار المصرية لهذا العهد ؛ فإنه بيَّن أن الأديان ارتقت بارتقاء البشر ، وأن الأديان السابقة إنما منحها الله تعالى لنوع الإنسان عندما كان النوع في أوائل طور التمييز ، وأنه لما بلغ رشده منح الإسلام الذي هو دين الفطرة ومبدأ المدنية الكاملة .

وأما وجه التفضيل من كونه دينًا عامًّا باقيًا ما بقي العالم فلا أراه يحتاج إلى بيان ، ولا يلتفت إلى دعوى المسيحيين أن دينهم عام ؛ فإن الإنجيل الذي في أيديهم ينطق بلسان السيد المسيح عليه الصلاة والسلام بقوله : ( لم أبعث إلا إلى خراف إسرائيل الضالة ) وهو حصر لا ينافيه قول إنجيل يوحنا : ( واكرزوا بالإنجيل في الخليقة كلها ) ؛ لأن اللام في الخليقة لا يصح أن تكون للاستغراق ؛ لأنه يدخل فيها حينئذ الحيوان الأعجم والنبات والجماد ، فيتعين أن تكون للعهد ولا معهود إلا ( خراف إسرائيل الضالة ) ، وبهذا يرتفع التناقض ، ومنها قوله تعالى : [ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ] ( آل عمران : 110 ) الآية ، وتفضيل الأمة يستلزم تفضيل نبيها ؛ لأن خيريتها ما جاءتها إلا من هدايته ، ومن كانت هدايته خيرًا كان خيرًا وأفضل ، ومنها قوله تعالى : [ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ] ( البقرة : 253 ) فقد قالوا : إن هذا البعض هو محمد صلى الله عليه وسلم ، نعم إن اللفظ ليس نصًّا معينًا ؛ ولكن القرائن الحالية الوجودية تعينه ، والمقام يحتمل التطويل وفي هذا القدر كفاية.