جاء السمع مفردا لأنه مصدر والمصادر لا تجمع ثم للمفسرين توجيهات نفيسة في إفراد السمع وجمع الأبصار قال القرطبي في تفسيره :

إن قال قائل : لم جمع الأبصار ووحد السمع؟ قيل له : إنما وحده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير يقال : سمعت الشئ أسمعه سمعا وسماعا، فالسمع مصدر سمعت، والسمع أيضا اسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر. أهـ

وقال الألوسي :

إفراد السمع باعتبار أنه مصدر في الأصل، وقيل : إنما أفرد وجمع الأبصار للإشارة إلى أن من مدركاته نوع واحد ومدركات البصر أكثر من ذلك. أهـ

وعن سبب اختيار القرآن الكريم المصدر للسمع وعدم اختياره المصدر للأبصار قال ابن عادل في اللباب :

إن السمع قوةٌ واحدة ولها مَحِلٌّ واحد وهو الأذن ولا اختيار لها فيه فإن الصوت من أي جانب كان يصل إليه ولا قدرة للأذن على تخصيص السمع بإدراك البعض دُونَ البعض، وأمَّا الإبصار فَمَحِلّهُ العين ولها فيه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب المَرْئِيّ دون غيره، وكذلك الفؤاد محل الإدراك وله نوعُ اختيار يلتف إلى ما يريد دون غيره، وإذا كان كذلك فلم يكن للمحل في السمع تأثير. أهـ

وفي قوله تعالى : “خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.

ذكر الفخر الرازي أن سر جمع القلوب والأبصار وإفراد الأسماع فقال :

إنما جمع القلوب والأبصار ووحد السمع لوجوه :

أحدها : أنه وحد السمع، لأن لكل واحد منهم سمعاً واحداً، كما يقال : أتاني برأس الكبشين، يعني رأس كل واحد منهما، كما وحد البطن في قوله : «كلوا في بعض بطنكمو تعيشوا» يفعلون ذلك إذا أمنوا اللبس، فإذا لم يؤمن كقولك . فرشهم وثوبهم وأنت تريد الجمع رفضوه.

الثاني : أن السمع مصدر في أصله، والمصادر لا تجمع يقال : رجلان صوم، ورجال صوم، فروعي الأصل، يدل على ذلك جمع الأذن في قوله : (وَفِى ءاذانِنَا وَقْر) [ فصلت : 5 ]

الثالث : أن نقدر مضافاً محذوفاً أي وعلى حواس سمعهم.

الرابع : قال سيبويه : إنه وحد لفظ السمع إلا أنه ذكر ما قبلة وما بعده بلفظ الجمع، وذلك يدل على أن المراد منه الجمع أيضاً ، قال تعالى : (يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور) [البقرة : 257] (عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال) [المعارج : 37 ]

قال الراعي : بها جيف الحيدى فأما عظامها…     فبيض وأما جلدها فصليب

وإنما أراد جلودها، وقرأ ابن أبي عبلة (وعلى أسماعهم). أهـ