زيارة المقابر كانت محرمة على الرجال والنساء في أول الإسلام ، ثم شرعت زيارتها بعد ذلك لأنها تذكر بالآخرة ، أما ما ورد من الأحاديث في نهي النساء عن الزيارة يفهم منها إذا قُصد بها تجديد الأحزان ، واتُّخذ فيها ما يُنافي العظة والاعتبار، فإنها تكون مُحرمة على الرجال والنساء .

يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق ـ رحمه الله ـ :

ينبغي أن يعلم أولاً أن زيارة المقابر كانت في أول الإسلام محرمة على الرجال والنساء، وأنه حينما استقرت عقيدة الإسلام في القلوب وعُرفت أحكامه وأهدافه أُبيحت الزيارة، وجاءت فيها جملة من الأحاديث الصحيحة، تضمَّنت مشروعيتها وكيفيتها وحِكمتها. الحديث القائل: “كنتُ نَهَيْتُكم عن زيارة القبور، ألَا فَزُورُوها فإنها تُذكركم بالآخرة”. ومنها أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقال لها عبد الله بن أبي مُليكة: “من أين أقبلتِ يا أم المؤمنين؟ قالت: مِن قبْر أخي عبد الرحمن. فقال لها: أليس كان نهَى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن زيارة القبور؟ قالت نعمْ، كان نهَى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها”. وكان منها في بيان كيفيتها أن الرسول كان يُعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: “السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكن العافية”. ومنها أن النبي مَرَّ بامرأة عند قبر تبكي على صبيٍّ لها، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تُبالي بمُصيبتي، اذهب عني ـ وكأنها لم تعرفه ـ فلما ذهب، قيل لها: إنه رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأتتْ إليه، وقالت: لم أعرفك يا رسول الله. فقال لها: “إنما الصبْر عند الصدْمة الأُولَى”. وَعَظَهَا بالصبر ولم يُنكر زيارة القبر.

والذي يُؤخذ من هذه الأحاديث أنه متى قُصد بزيارة القبور الإحسان إلى الميت بالدعاء، وإلى النفس بالعِظة والاعتبار، وخلت من تجديد الأحزان ومظاهر الجزع، وعن التجمعات الساخرة التي نراها في الأعياد والمواسم، وعن صور اللهو والتسلية ونُظم الضيافة، وعن المبيت في المقابر وانتهازها فرصة لما لا ينبغي ـ إذا خلَت عن كل ذلك وخلُصت للدعاء والعظة، واتُّخذت فيها الآداب الشرعية، كانت مشروعة للرجال والنساء، أما إذا قُصد بها تجديد الأحزان، واتُّخذ فيها ما يُنافي العظة والاعتبار، فإنها تكون مُحرمة على الرجال والنساء. وهي حينئذ نوعٌ من المُنْكَرِ الذي يُفسد الأخلاق، وذهب بالأموال في غير غرض شريف، ويجب على أولياء الأمر مُحاربتُها والقضاء عليها، حِفْظًا للكرامة وتطهيرًا للمجتمع من وصمات تلتصق به باسم مشروع دينيٍّ، وهو زيارة القبور، وهذا هو الذي ينبغي أن يُصار إليه في فهْم الأحاديث الواردة في الموضوع، وهو الذي يجب أن يعلمه الناس، وأن يُوجَّهوا إليه.