قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى” لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ”: اختلف في معنى “لا يمسه” هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى؟ وكذلك اختلف في “المطهرون” من هم؟ فقال أنس وسعيد وابن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة.

وكذا قال أبو العالية وابن زيد: إنهم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم, فجبريل النازل به مطهر, والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون.

الكلبي: هم السفرة الكرام البررة.

وهذا كله قول واحد, وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال: أحسن ما سمعت في قوله “لا يمسه إلا المطهرون” أنها بمنزلة الآية التي في “عبس وتولى [عبس: 1]: “فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة” [عبس: 12-16] يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وصفوا بالطهارة في سورة عبس.

وقيل: معنى “لا يمسه” لا ينزل به “إلا المطهرون” أي الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء.

وقيل: لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون.

وأما من قال: إنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل, وهو اختيار مالك.

وقيل: المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا, وهو الأظهر.

وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته: (من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد) وكان في كتابه: ألا يمس القرآن إلا طاهر.

وقال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر).

وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة: “لا يمسه إلا المطهرون” فقام واغتسل وأسلم.

وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره: “لا يمسه إلا المطهرون” من الأحداث والأنجاس.

الكلبي: من الشرك.

الربيع بن أنس: من الذنوب والخطايا.

وقيل: معنى “لا يمسه” لا يقرؤه “إلا المطهرون” إلا الموحدون, قاله محمد بن فضيل وعبدة.

قال عكرمة: كان ابن عباس ينهي أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن وقال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه وبركته إلا المطهرون, أي المؤمنون بالقرآن.

ابن العربي: وهو اختيار البخاري, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا).

وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق.

وقال أبو بكر الوراق: لا يوفق للعمل به إلا السعداء.

وقيل: المعنى لا يمس ثوابه إلا المؤمنون.

ورواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم قيل: ظاهر الآية خبر عن الشرع, أي لا يمسه إلا المطهرون شرعا, فإن وجد خلاف ذلك فهو غير الشرع, وهذا اختيار القاضي أبي بكر بن العربي.

وقال الإمام الطبري ملخصا القول في المسألة: والصواب من القول من ذلك عندنا, أن الله جل ثناؤه, أخبر أن لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون فعم بخبره المطهرين, ولم يخصص بعضا دون بعض; فالملائكة من المطهرين, والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب, فهو ممن استثني, وعني بقوله: {إلا المطهرون} .