لا يجوز للعاقد أن يعاشر زوجته معاشرة الأزواج حتى تزف إلى بيته، فالإشهاد عند الدخول واجب عند المالكية، ومن ثم فتحرم المعاشرة إذا لم يتم الإشهاد، وذلك لنفي التهمة وظن السوء عن الزوجة إذا تم فسخ العقد قبل الدخول، والأخذ بهذا المذهب يؤيده العرف، كما يحتم الأخذ به فساد الذمم وضعف الدين في النفوس، فما أهون أن ينكر العاقد معاشرته للمعقود عليها دون أن يجد في نفسه أدنى حرج، وفي ذلك من الشر والبلاء والفضيحة التي تلحق بالمعقود عليها وأهلها ما لا يعلمه إلا الله.
جاء في كتاب تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي: (الإشهاد على عقد النكاح، ليس بواجب على مذهب مالك رحمه الله , وإنما يجب الإشهاد عند الدخول لنفي التهمة والمظنة عن نفسه، ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل}، أي لا يكون وطء النكاح إلا باجتماع هذه الأشياء؛ لأن النكاح حقيقة إنما يقع على الوطء، وإنما سمي العقد نكاحا لأن النكاح الذي هو الوطء يكون به، فسمي باسم ما قرب منه، ولا يصح أن يحمل الحديث على العقد؛ لأنه قد ذكر فيه الصداق، وذلك مما لا يفتقر إليه العقد بإجماع؛ لأن القرآن قد جوز نكاح التفويض).

ويقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة -: من المعلوم أن عقد الزواج إذا وقع صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية، ومنها حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، فهذا الأمر واضح ومعلوم.

ولكن العرف قد جرى بأن المعاشرة الزوجية لا تكون إلا بعد الزفاف لا قبله أي بعد أن ينقل الزوج زوجته إلى بيت الزوجية.
لذا فإني أرى تقييد هذا المباح بالعرف حيث إن هذا العرف صحيح، ويحقق مقاصد الشارع الحكيم وبيان ذلك بما يلي:
-إن العرف قد جرى في بلادنا أن يتم عقد الزواج، ويكتب، وتبقى الزوجة في بيت أبيها مدة من الزمن قد تطول، وقد تقصر، فأحياناً تمكث الزوجة في بيت أبيها سنة، أو أكثر، أو أقل، وفي هذه الحال يتردد الزوج لزيارة زوجته في بيت أبيها، ويسميه الناس خاطباً مع أن هذه التسمية فيها نظر لأنه ليس بخاطب وإنما هو زوج شرعاً ، وعندما يتفق الزوجان وأهلهما على الزفاف، ويعين موعد لذلك، وتقام الأفراح، وفي يوم الزواج يحضر الزوج، وأقاربه لأخذ الزوجة من بيت أبيها إلى بيت الزوج، فعندها تتم المعاشرة الزوجية بينهما، وأما قبل ذلك، فينبغي منع إقامة أي علاقة جنسية بينهما لما قد يترتب على إقامة العلاقة الزوجية في الفترة التي تسبق الزفاف من مفاسد.

فمثلاً إذا تمت معاشرة بينهما في تلك الفترة، وحصل الحمل فقد لا يستطيع الزوج إتمام الزفاف لسبب من الأسباب، فعندئذ تظهر علامات الحمل على الفتاة، وهذا ينعكس عليها سلباً وعلى زوجها ، وماذا لو قدر الله سبحانه وتعالى وفاة هذا الزوج قبل الزفاف، وكان قد عاشرها، وحملت منه، فلا شك أن مشكلات كثيرة ستقوم، وتؤدي إلى نزاع وخصام، وهنالك احتمال أن يقع سوء تفاهم بينهما، وقد يصل الأمر إلى الفراق بالطلاق، أو غيره، فحينئذ ستكون الفتاة في موقف صعب جداً.

وكذلك إذا تم الزفاف، وكانت العلاقة الجنسية قد تمت قبله، فقد يطعن الزوج في عفاف زوجته، وهذا يوقع الفتاة وأهلها في مشكلات وحرج.
وقد يقول قائل ما دام أن العقد قد وقع صحيحاً فهي زوجته شرعاً، وقانوناً، فلماذا تحرمون استمتاع كل منهما بالآخر؟
وأقول إنني لا أحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى، ولكن نقيد هذا المباح حفظاً لمصالح العباد ودفعاً للمفاسد التي قد تترتب على هذا الفعل ، والعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم.

قال الإمام القرافي –من فقهاء المالكية-: [وأما العرف، فمشترك بين المذاهب، ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها ] شرح تنقيح الفصول ص 88 .
وقال الشيخ ابن عابدين –من فقهاء الحنفية-: (والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار) رسالة ” نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف .

وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك كما في قولهم : العادة محكمة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها وغير ذلك.

وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن، أو السنة واضح الدلالة قطعيا، أو نصاً تشريعياً كالقياس، ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للـقاعدة الـشرعية الـثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الـثابت بالـعرف ثابت بدليل شرعي.

ومن أوسع مجالات اتباع العرف ما يتعلق بالأسرة مثل عشرة النساء والنفقة عليهن ومن ضمن ذلك ما تعارف عليه الناس أن الزوج لا يعاشر زوجته المعاشرة الزوجية إلا بعد الزفاف، وهذا عرف صحيح ينبغي اعتباره، والعمل به فهو لا يصادم النصوص الشرعية بل يؤكد مقاصد الشارع الحكيم.

كما أنه يمكن منع المعاشرة الزوجية بين الزوجين قبل الزفاف استناداً إلى قاعدة سد الذرائع وهي قاعدة معتبرة عند أهل العلم، فمعلوم كم هي المفاسد التي قد تترتب على إقامة مثل هذه العلاقات.

-وقد صرح بعض الآباء الذين سئلوا عن رأيهم في ذلك لو حصل هذا الأمر مع بناتهم بأن بعضهم سيقتل ابنته وزوجها لما في ذلك من مس بشرفه وشرف عائلته، وصرح بعضهم بأمور أفظع من ذلك وقد جاء هذا في دراسة واستطلاع لرأي بعض الناس قام به بعض طلبة العلم ، وهذا على سبيل المثال لا على سبيل الحصر من ردود الأفعال التي قد تقع من الآباء والأهل تجاه بناتهم إن حصلت هذه المعاشرة .

-ومن المفاسد التي قد تقع، ووقعت فعلاً أنه في إحدى الحالات التي تمت فيها المعاشرة قبل الزفاف وحصل الحمل، ولم يتمكن الزوج من إتمام إجراءات الزفاف أقدم على إجهاض زوجته، وأدى ذلك إلى قتل الجنين ؟!

فَسَدّاً لطرق الفساد هذه وغيرها ينبغي منع الزوجين من ذلك وحصره على ما بعد الزفاف فقط .